‘قديمك نديمك لو الجديد أغناك’، مثل يحمل حكمة مقرونة بتجربة، وحدث يمثل حالة مطلوبة وليست طالبة في ايامنا هذه، يدفعنا معناها الى توثيق كل ما تقع عليه ايدي الباحثين لادراجه بعد التحقق من صحته، ليجعل لغة تواصل وحلقة لربط الماضي بالحاضر، متخطية قراءة النص فقط لتكون محطة استقطاب لابراز الدور مهما كان حجمه، لانه في نهاية الامر هو ما يمثل بذرات التكوين الثقافي في مجتمع نعيشه الآن. من هذا المنطلق يمكن الكشف عن حقبة دراسة الرعيل الاول من الكويتيين في الجامعة الاميركية في عشرينات القرن المنصرم. لم تكن بيروت آنذاك مدينة يصعب الوصول اليها فحسب، بل كان السفر اليها شاقا تحفه المخاطرِ فطرق المواصلات الحديثة واسبابها لم تكن معروفة او متوفرة اطلاقا، ما عدا مسالك قوافل الابل عبر الصحراء الغربية التي تشكل فاصلا طبيعيا يصعب اختراقه لوعورة طبيعة ارضه ومخاطر التجوال به لغياب الامن في فيافيه وهما هواجس اي مسافر يفكر بمثل هذه المغامرة، واستمرت الحالة هذه امدا طويلا، على الرغم من الحاجة الى ربط بلدان الخليج والعراق بسواحل البحر الابيض المتوسطِ ولم يتم ذلك الا في منتصف العشرينات من القرن الماضي وتحديدا عام 1925، حينما تكمن الاخوان جيري ونورمان نيرن الاستراليان اللذان استقرا في بيروت بعد خدمتهما في الجيش البريطاني ابان الحرب العالمية الاولى وعملا في تجارة وصيانة السيارات التي ابتدأت بالانتشارِ وتمكنا من تسيير حافلات ضخمة بين دمشق وبغداد حينما استعانا بالشخصية المعروفة الحاج محمد البسام الذي كان يقيم في دمشق ويعمل في مجال التجارة والنقل بالوسائط التقليدية القديمة، وتسيير قوافل الابل بين عاصمتي الخلافة الاسلاميةِ فساعدت معرفته بالمسالك والقبائل القاطنة في تخومه ما مكنه من تأمين الطريق ابتداء من غوطه دمشق عبر بادية الشام الى الحدود العراقية – السورية، حيث انشئت محطة توقف للراحة وللتزود بالوقود والزاد والتي اصبحت فيما بعد مدينة ‘الرطبة’ الحدودية ومنها الى بغداد عبر بادية الدليم. تأسيس الجامعة كان هذا المشروع الحدث بداية انبلاج فجر جديد مكن الكثيرين من التنقل بسهولة نوعا ما ومنهم طلبة العلم ومريدوه من مناهل حديثه مثل ‘الكلية البروتستانتية السورية’ التي تأسست في بيروت في 3 ديسمبر 1866 بجهود الدكتور دانيل بليس Bliss المبشر الاميركي – كبداية متواضعة قوامها بيت مستأجر قطبه ورحاه فصل دراسي واحد لاغير انتظم فيه ستة عشر صبيا، هو نواة الجامعة الاميركية الشهيرة التي فتحت ابوابها عام 1870 بانشاء كلية للطب تبعتها بعد اربعة اعوام كلية للصيدلة ومدرسة اعدادية PREPARATORY SCHOOL، فاتسعت رقعة مبانيها في منطقة رأس بيروت، لتشمل ثلاثة وسبعين فدانا هي مساحة منشآت الكليات وقاعات الدراسة والمكتبة والمختبرات والاقسام الداخلية تتسع لطلبتها الذين يربو عددهم على سبعة آلاف نسمة في يومنا هذا، علاوة على افواج وقوافل من الخريجين من قادة الرأي والسياسة في الوطن العربي طولا وعرضا حيث بلغت الشهادات الجامعية الممنوحة لغاية يوليو 2002 ستة وستين الفا ومائة وسبع شهادات ودبلوم. الإبراهيم والصباح في المدرسة الاعدادية السالفة الذكر انتظم الرعيل الاول من الكويتيين في العام الدراسي 27 – 1928 وهم المرحومون: عبدالقادر بن موسى الابراهيم وعبدالعزيز بن عبدالرحمن الابراهيم وعبدالله بن يعقوب الابراهيم، وكان المشرف على شؤونهم في اغترابهم هو المرحوم الحاج محمد البسام السالف الذكرِ وحينما بلغ الى مسامع الشيخ احمد الجابر الصباح امير الكويت حينذاك هذا النبأ بحكم العلاقة والصلة بآل ابراهيم راقت له فكرة ابتعاث الشيخ فهد السالم وتبعه نجله الشيخ محمد الاحمد الجابر، للاستفادة من الالتحاق بهذا الصرح الاكاديمي العتيدِ يمكن تصنيف ذلك الابتعاث كفكرة لاعداد وتأهيل الجيل الثاني من شباب الأسرة لتسلم مناصبهم القيادية مستقبلا، فهم من اوائل الكويتيين الذين تمكنوا من الالمام واجادة لغة اجنبية هي الانكليزية لتضاف الى حصيلة تعليمهم العام ومن ثم الانفتاح على ثقافة متطورة، فاستمرت دراستهم هناك ما يقرب من اعوام اربعة التحق بهم خلالها بعثة من شباب البحرين هم: الشيخ عبدالله بن ابراهيم الخليفة، الشيخ خليفة بن محمد الخليفة، الشيخ احمد بن عبدالله الخليفة، عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن المعاودة، أحمد العمران، راشد الزياني وعبدالله الباكر. محمد الأحمد الجابر انتهت في بداية الثلاثينات مرحلة دراسة الطلبة الكويتيين الاربعة، ولكنها لم تنته بالنسبة الى الشيخ محمد الاحمد الجابر الذي كان يطمح، راغبا، في اكمال دراسته العليا في بريطانيا بتشجيع من والده الشيخ احمد الجابر والدليل على ذلك مجموعة من المراسلات في ملف تحت رقم R/15/5/182، بعنوان ‘تعليم نجل شيخ الكويت’ من مصنفات قسم السجلات الهندية في المكتبة البريطانية بلندنِ استمرت تلك المراسلات بين الشيخ احمد الجابر والميجر هولمز، الذي كان قد حصل على امتياز التنقيب عن النفط في الكويت آنذاك، من جهة وبين معتمدية الخليج في كل من البحرين والكويت تضمنتها خطة ومسار الدراسة التي تبتدئ بالتأهيل واقامة الشيخ محمد الاحمد مع عائلة انكليزية لمدة عام كامل لتقوية لغته الانكليزية ومن ثم الانتظام والالتحاق بجامعة اكسفورد. أملاك الامارة في البصرة وتشاء الاقدار وتحكم الظروف ان لا يتم هذا التوجه، اذ تسلم الشيخ محمد الاحمد الامور في ادارة استثمارات املاك الامارة في البصرة والتي كانت تشكل عنصرا مهما من ايرادات الدولة، نتيجة تجاوزات ادارية ومالية حينما كانت تحت ادارة المحامي الارمني اغوب جبرائيلِ اجبرت هذه الظروف والاوضاع العالمية وما صاحبها من انهيارات وركود للاسواق المالية وظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي اصاب اقتصاد البلاد مقتلا، فكانت فترة حرجة حاسمة فرضت على الشيخ احمد الجابر ان يتخذ مثل هذا القرار لكي لا تفلت الامور ويجد من يأتمنه في تسليك الأمور حينهاِ ليؤجل موضوع دراسة نجله في بريطانيا الى حين امتد اجله ولم يتحقق حلمهِ ولولا ذلك لاصبح اول الكويتيين الحائزين على شهادة جامعية من اعرق معاهد العالم وهي جامعة اكسفوردِ ورغم ذلك فانه مثل غيره من المثقفين الكويتيين لم يفقد موقعه مع اوائل الدارسين في معاهد الجامعة الاميركية في بيروت قبل حوالي ثمانية عقود مضت، هي حصيلة تجربة تحسب للكويت في مسيرتها الثقافية نحو فجر جديد واعد.
حينما انطلق الرعيل الاول الي الجامعة الامريكية في بيروت, القبس, 20 مارس 2006
3035 اجمالي الزيارات 2 الزيارات اليوم
تعليقات الزوار