استقلال الكويت بداية لاستقلال شقيقاتها في الخليج بريطانيا اهتمت بسواحل الجزيرة العربية وتركت الداخل للعثمانيين مؤشرات الاستقلال: ثورة يوليو وحرب السويس والإنزال الأميركي في بيروت وسقوط الملكية في العراق بادئ ذي بدء، أود أن أوضح أن انتمائي العائلي لأحد قطبي هذه الأحداث يمنعني من الاصطفاف والانحياز بكل ألوانهما وأطيافهما له ــ مع كل اعتزازي بما قام به، لذا أرجو القارئ الكريم أن يحسب ما سجلته وبإيجاز، حيث لا يتسع المقال لعرضه، هو من باب إعادة قراءة التاريخ وطرق جادة غير مسبوقة للقياس والاستدلال، في اسناد الظروف التي أدت وصاحبت مرحلة مهمة ومفصلية في تاريخ بلدنا الحبيب، التي يخشى الكثيرون ــ ومنهم يبطن ما لا يعلن ــ الخوض في تفاصيلها تحت ذرائع مختلفة، وقد يقول البعض: وما شأنك في هذه المعضلات؟ وجوابي عن ذلك هو ما يحتويه مكنون المثل المعروف عند أهلنا في الجزيرة العربية: «يا مدّور الهيّن ترى الچايد أحلى». لا يختلف اثنان على أن السبب الرئيسي لتوقيع معاهدة الحماية عام 1899، كان شأنا داخليا، نتج عن تداعيات حوادث 17 مايو 1896 والطريقة التي انتقل فيها الحكم الى الشيخ مبارك. لكن ندرة من الناس هم من يلمون بالمجريات التي تابعت ذلك. وهي في مضمونها ما نطقت به الآية الكريمة: «.. وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم..»، وقد تعارف الاولون على وصف ذلك بمفردة «خيره»، التي تختصر القول القرآني بكلمة واحدة. لقد اصبح الحدث الآن حكاية قديمة بعد مرور اكثر من قرن على عقدها ونصف قرن على فسخها، وما التاريخ الا حكايات تحوي في مضمونها العبر، والا فكيف تدفع هذه الظروف بريطانيا القوى العظمى حينها، ان تمنع بلدا صغيراً مثل الكويت من الوقوع تحت نفوذ وسيطرة قوى عالمية ندية، او ابتلاع من كيانات اقليمية لفترة تعدت حكم الشيخ مبارك بمدة طويلة، كان ذلك ابان رق الحال، فما بالك حينما اخرجت الأرض مكنون خيرها، كما هو عليه الآن؟! نضع كل هذا امام جيلنا الحاضر الذي لا يعرف عن الماضي الا شذرات، وهو يترع بالخير العميم، ولا يتوقف عنه، بل يطلب المزيد. فلا جرم للقائل «من يطلب الزود لا يامن النقصان»، من انذار لما تخفيه الايام واستعراض ما كابده الاجداد. *** بعد نصف قرن من توقيع المعاهدة، وتحديدا في سبتمبر 1953 بدأت سلسلة من النقاشات على صفحات مجلة البعثة، وهي نشرة ثقافية شهرية، يصدرها «بيت الكويت» في القاهرة، تحت عنوان «تاريخ علاقة الكويت في بريطانيا»، التي أرجعت اصل الارتباط الى الشيخ مبارك، على خلفية توليه الحكم، وان اسبابها الرئيسية هي موالاة الشيخ محمد بن صباح الى العثمانيين، وجاء رد المرحوم خالد محمد الفرح يفند الاسناد التاريخي بقوله: «ان الشيخ مبارك لم يكن اقل ولاء للاتراك، لكن موقف يوسف بن ابراهيم ورشوته للولاة جعلا حكومة الترك تضغط على مبارك على مصافحة الاسد البريطاني، وطالما رفض مبارك عرض الحماية البريطانية قبل تلك الظروف». وجاء الرد الاول على ان مبارك كان غير موال للعثمانيين، لكن الثاني اثبت ما يؤيد قوله كون مبارك قد عين قائمقام على الكويت من قبل العثمانيين، ومنح لقب باشا وقد تبرع لمشاريع عثمانية، منها سكة حديد الحجاز، التي تبناها شخصيا السلطان عبدالحميد. وان جريدة “العمران” الناطقة بلسان الشيخ مبارك تصفه بالالقاب الشاهانية العثمانية، وتزيد على ذلك رشوته لولاة الاتراك وتبرعاته لبناء ثكنة عسكرية في البصرة، وتمديد شارع رئيسي يربط البصرة قديمها بجديدها، اضافة الى تبرعه بعد حريق اسطنبول كما سبق ان أنعمت عليه الدولة بنياشين عثمانية رفيعة، حينما بنى مسجدا في الكويت اطلق عليه المسجد الحميدي نسبة الى السلطان، وان المعاهدة هي لحماية مبارك من جهة البحر فقط، لان له اطماعا توسعية من ناحية البر، والدليل ان بريطانيا لم تتدخل لمصلحة مبارك في معركة الصريف بعكس العثمانيين الذين ساعدوا ابن رشيد. ثم جاء رد الاستاذ سيف الشملان، وذكر ان العلاقات الكويتية – البريطانية هي اعمق من فترة حكم الشيخ مبارك (الحاكم السابع)، اذ ابتدأت ابان حكم الشيخ عبد الله بن صباح الاول (الحاكم الثاني) (1756 – 1814) بعد احتلال صادق خان زند البصرة عام 1775، وانتقال شركة الهند الشرقية البريطانية إليها من البصرة، وتوقف خط بريد حلب – البصرة خلال فترة الاحتلال حتى عام 1779م. ثم أعقب ذلك توقيع معاهدة محاربة القرصنة في الخليج عام 1840 إبان حكم الشيخ جابر بن عبدالله «الحاكم الثالث 1814 – 1859». وأيد بأن علاقة الشيخ مبارك بالعثمانيين لا يشوبها شك، وأنه كان موالياً لها. وينقل عن الأنطاكي قول الشيخ مبارك: «لو أصفت لي الدولة لأصفيت إليها وأغنيتها عن الفيلق السادس المخيم في بغداد”. وأنه كان يدفع عشر واردات أملاكه بالفاو، بالإضافة إلى كونه واسطة العلاقة بينها وبين ابن سعود، كما أن مبارك ساعد الجنود العثمانيين المارين عبر الكويت إلى الاحساء ومن البصرة وتبرعه ببناء مقر قائد البحرية والمدرسة الرشدية والقشلة «ثكنة عسكرية»، وتبرع لمساعدة الدولة في حروب البلقان، وطرابلس الغرب، وإلى منكوبي حريق أسطنبول، واعترافاً بكل ذلك أرسلت الدولة وفداً رفيعاً لتقليده وساماً من الدرجة العليا على جهوده المخلصة. لكنه يرجع إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لتوقيع المعاهدة هي محاولات الشيخ يوسف الإبراهيم ضده بعد الحملة البحرية الأولى في 17 يونيو 1897 بعد سنة من مقتل الشيخ محمد بن صباح الحاكم السادس 1892 – 1896، وشقيقه الشيخ جراح. ويذكر على ص299 من تاريخ الكويت: كان مع أسطول الحملة طراد إنكليزي بقي قرب جزيرة عوهة جنوبي فيلكا، لينظر ما يتم بين الفريقين، وبوجود هذا الطراد يترجح قول من قال بارتباط يوسف مع الإنكليز في هذه الحملة، إذ إن من المستبعد أن تسمح بريطانيا لأسطول يمخر مياه الخليج الذي ترى لنفسها فيه حق نشر الأمن ومنع القرصنة والقتال من غير أن يكون لها يد محركة في الأسطول. وهذا قول عبدالعزيز الرشيد في تاريخ الكويت ص 59: «والطراد في معيته وتركه وأبصره فاراً فتغافل عنه». يوسف الإبراهيم والحماية وتؤيد ما سبق رسالة الشيخ مبارك في تاريخ 5 يوليو 1897 التي بعثها إلى الباب العالي يقول فيها: «سبق وأن بينت وعرضت بصورة مفصلة ما قدمه آل صباح، وما قدمته شخصياً للدولة العثمانية، ويتابع: وطلبت مكافأتي على خدماتي السابقة بتعييني لقائمقامية الكويت لإجراء التدابير الحسنة التي تليق بشرف ومكانة الحكومة ومضاعفة العمل للمحافظة على الأمن العام». ويضيف: وأن يوسف الإبراهيم جمع لفيفاً من أفراد العشائر في المكان المعروف بهنديان جهة إيران، وجهزهم بالأسلحة الرشاشة والبنادق التي جاء بها من بوشهر، وسائر الأماكن الأخرى وبعدد من المواقع، وحملهم في نحو خمس عشرة سفينة، وهاجم بهم الكويت، وهدفه من ذلك نهب أموال الفقراء والتجار..إلخ. أما عارف باشا والي البصرة، فكانت رسالته إلى قصر يلدز بشكل برقية مشفرة في تاريخ 9 يوليو 1897: “إن يوسف الإبراهيم هو رأس المهاجمين على الكويت، وإن الهجوم نابع من التحريض والتشجيع، اللذين يلقاهما البغاة من السفينة الحربية «سفنكس»، التابعة لدولة إنكلترا، التي لا تفتأ تجوب أطراف الكويت هذه الأيام، وتقوم بالتجسس والتعاون”. وكان معتمداً في هذا على تقرير ربان السفينة العثمانية، صياد دريا. ويتفق المرحوم عبدالعزيز حسين في كتابه «محاضرات عن المجتمع الكويتي» 1960 ص 28 مع سابقيه، بأن أهم أسباب اتفاقية 1899 هي محاولات يوسف الإبراهيم ضد مبارك، ما جعله يطلب الحماية منذ عام 897 1. وعلى هذا النسق جرى ما كتبه حافظ وهبة في كتابه جزيرة العرب في القرن العشرين ص 238، وكانت نتيجة محاولات الشيخ يوسف بن إبراهيم إعلان الحماية البريطانية على الكويت. السيطرة على الخليج وحتى نستغني من تكرار ما لا خير فيه، علماً أن القول لما سبق لا يقف بنا عند حد، وأياً ما كان فإن هذا الشأن لم يقتل بحثاً بعد، وربما يأتي من الجديد ما قد يزيد على الآنف ويثري البحث. ولكن من باب التوضيح علينا أن نكشف أن الوالي الوحيد الذي عمل ضد الشيخ مبارك هو حمدي باشا، والذي عزل من منصبه لخلاف له مع مشير بغداد رجب باشا صديق الشيخ مبارك وسنده في بداية الأمر. وقد عرف عن حمدي باشا عدم قبول الرشى باعتراف القنصل البريطاني في البصرة في ذلك الحين . وبعد ذلك تولى على البصرة خلال حكم الشيخ مبارك عدد كبير من الولاة ممن تضامن معهً حتى احتلال البصرة 17 نوفمبر 1914، وانهيار الحكم العثماني في العراق، وبدء الانتداب البريطاني له. كنت ومنذ البداية آمل الإتيان بالجديد من خلال جمع الشتيت من المصادر، أصولها وفروعها، وأن أضيف من الشروح والتعليقات ما أمكن لكشف ما قد يستغلق فهمه، ويستعصى إدراكه «حيث لا ربيع من زهرة واحدة» كما يقول المثل. وحينما نتكلم عن العلاقة مع بريطانيا، فلابد لنا أن نصل إلى قناعة بأن السيطرة على الخليج كان حسب اعتقادهم حقاً بريطانياً لا ينازعهم فيه أحد وأن حمايته بقوة بحرية متفوقة رادعة هي الحل الأوحد لصيانة تلك البقعة المائية الاستراتيجية. وهو ما قامت به سفن أسطولها لأجيال عديدة، في محاولات لأن تبقي الوضع على قوامه، وإن بدأت تلك القوة في الاضمحلال تدريجياً، وهو ما عبر عنه وزير خارجية الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، دين أشيسون: {أن بريطانيا فقدت إمبراطوريتها ولم تجد دوراً يشغل فراغها بعد ذلك الفقد}. ولكن قبل ذلك كان الأمر مختلفاً، فسعيها الاستحواذي أسطوري الخطى في التاريخ البشري، وقد أصاب كبد الحقيقة نابليون بونابرت، حينما قال: {لا توقف سبيل الإنكليز عثرة، لكنهم عثرة في كل سبيل}. كان ذلك واقع الأمور حيث حكم أربعون ألفاً من جنود وموظفين إنكليز مئات الملايين من الهنود مثلاً، وحينما كانوا يهيمنون على الخليج، فإن كوادرهم لم تكن تزيد عن حفنة من المعتمدين السياسيين، لكنَّه يوجد تحت إمرتهم أسطول بحري حربي ضارب يجوب مياهه وموانئه، ويلقن من يناهض ذلك درساً لن ينساه، حينما كان القصف البحري لمعظم موانئ الخليج جزءاً من هذه السياسة، وإن شاب تلك الفترات محاولات من قوى أوروبية جديدة طموحة كفرنسا وألمانيا وروسيا الاختراق والتغلغل، لكن مصيرها كان العثرات دوماً، كما حصل للبرتغاليين والهولنديين قبلهم. فالهدف المنشود والواقع المعلن لبريطانيا المنع بكل الوسائل وإبعاد أي قوة قد تصبح مناوئة لها على مشارف الهند، “جوهرة التاج” وتحديداً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن المنصرم. وهو ما ترجمه خطاب نائب الملك وحاكم الهند، اللورد كيرزن، محذراً من الاقتراب لأي قوة أجنبية غيرهم. تلك العبارات القوية التي نطق بها أمام حشد من شيوخ الساحل المتصالح على ظهر الطراد البريطاني “أرجونوف” الراسي أمام الشارقة في 21 نوفمبر 1903 محذراً، ونذيراً {إن وجودنا هنا (يقصد الخليج) كان قبل أي قوة أخرى في عصرنا الحديث، وإن تجارتنا ومعها أمنكم كانا مهددين، مما دعانا إلى أخذ التقويم المناسب، لقد حافظنا على وجودكم وعدم انقراضكم من قبل جيرانكم، وفتحنا البحار لكل سفن التجارة العالمية. ولم نتملك أو نحتل بلدانكم، ولم نقض على حريتكم، بل حافظنا عليها، وأننا لن نرمي جانباً هذا القرن من الرخاء والجهد الغالي المنتصر، ولن نزيل هذه الصفحة السمحة من التاريخ. ولذا يجب أن يبقى السلام قائما في هذه المياه، وعندها سيبقى استقلالكم دون أن يمسه أحد، ويجب كذلك ان يبقى تفوق الحكومة البريطانية على نفوذ غيرها}، وهو ما نقله لوريمر في «دليل الخليج» الجزء السابع التاريخي ص92ــ93. والذي كان ضمن المجموعة التي رافقت رحلة اللورد كيرزن ابتداء من مغادرته كراجي يوم 16 نوفمبر ووصول مسقط 18ــ19 ثم الشارقة 21 هرمز وقشم 23ــ24 لنجة 24ــ25 البحرين 26ــ27 الكويت 28ــ29 خور عبدالله 30 ــ 1 ديسمبر بوشهر 2ــ3 والعودة 4ــ7 ديسمبر، وكانت السفن المرافقة: اليخت «هاردنج» الطراد «ارجونوف» والطراد «هياسنت» والطراد «فوكس» والطراد «بومون» والتحقت بهم السفينة البحرية «لورنس» عند مدخل الخليج. تقاسم النفوذ لم يكن لدى بريطانيا هدف واهتمام للسيطرة على داخل الجزيرة العربية فجعلتها من نصيب العثمانيين، أما سواحل الخليج فهو من صميم اهتمامها وتحت حمايتها ولايمكن أن تسمح لأحد بمزاحمتها علية تحت أي ظرف كائن. واستمرت هذه الحالة حتى نشوب الحرب العالمية الأولى لينسدل الستار نهائيا على الوجود العثماني بعد احتلال العراق في نوفمبر 1914. وبعد ذلك أصبح حتى الداخل العربي بشبه الجزيرة ضمن اختصاصها، وإن انقسم إدارياً، حيث غدا الجزء الغربي منه «الحجاز» من نصيب المكتب العربي التابع لها في القاهرة، أما الجانب الشرقي «نجد وسواحل الإحساء» فهو كالخليج في تبعية إدارته من الهند. الكويت وبريطانيا لابد للراصد أن يتابع المراحل التي مرت بها العلاقة الكويتية ــ البريطانية وبإيجاز ابتداء من عام 1775 ابان حكم الشيخ عبدالله بن صباح الحاكم الثاني وسببه احتلال البصرة من قبل صادق خان الزندي وبداية فتح خط البريد البري الى حلب عن طريق الكويت بدلا من البصرة وانتقال الوكالة البريطانية إلى الكويت وهو الأول عام 1792 إلى 1795 وبداية رخاء الكويت التجاري. أما الانتقال الثاني 1821 فكان خلال حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الحاكم الثالث ومحاولة اقامة قاعدة بحرية فيها عام 1839، ولكن المحاولة باءت بالفشل وهي الفترة التي وصل فيها النفوذ المصري إلى سواحل الخليج عبر تواجد وكيل لحملة إبراهيم باشا في الكويت عام 1838 – 1839. ولكن ذلك لم يمنع التوقيع على اتفاقية مع بريطانيا عام 1840 ضد أعمال القرصنة في الخليج. بعدها بدأت بواخر شركة الهند البريطانية .B.I عام 1868 رحلاتها للكويت في نهاية حكم الشيخ صباح بن جابر أثار نامق باشا والي بغداد موضوع ضم الكويت الى ولاية البصرة فتم اتصال بين عبدالله بن عيسى آل ابراهيم وسالم بن بدر بالقنصل الانكليزي في البصرة جونستون أما الفترة بين عام 1866 إلى عام 1892وهي فترة حكم الشيخ عبدالله الثاني وكانت قد تخللتها حملة مدحت باشا عام 1871 والاحتلال العثماني للاحساء ويمكن ان نطلق عليها عزوف بريطانيا عن شؤون الكويت. ثم تلتها فترة حكم الشيخ محمد بن صباح الحاكم السادس 1892 – 1896 والتي أطلق عليها لوريمر وصف العلاقات الغارقة باللامبالاة ما عدا حادثة الاعتداء على السفينة «هاربياسا» الهندية في 19 سبتمبر 1895 وهي تحت الحماية البريطانية خلال موسم شحن التمور إلى الهند من شط العرب وكانت راسية مقابل بساتين نخيل تعود لآل صباح قرب الفاو. فألقت الحكومة البريطانية المسؤولية على الكويت. أما فترة 1896ــ1897 وتولي الشيخ مبارك الحكم فيمكن أن توصف بشكوك بريطانيا بعلاقة مبارك والعثمانيين. وبعدها بدأت مساعي الشيخ مبارك باكتساب الحماية البريطانية في أغسطس 1897كما بينا فيما سبق حينما اشتدت الأمور وحينها لم تجد وساطة اغا محمد رحيم صفر الوكيل المحلي البريطاني في البحرين أذنا صاغية، فأصرَّ الشيخ مبارك في طلب مندوب من المقيمية في أبوشهر ارسال ممثل «لانه لم يجد رجلا ذكيا بما يكفي لإرساله ممثلا إلى بوشهر» وقدوم جاسكين في 5 سبتمبر 1897 للكويت على ظهر السفينة لورنس، التي رفض الشيخ الاجماع على ظهرها مخافة اطلاع العثمانيين على سره. وهو ما ذكره لوريمر في (دليل الخليج، الجزء الثالث التاريخي ص393). لكن ذلك الطلب قد رفض في 20 أكتوبر 1897، وفي نوفمبر ساد اعتقاد بأن هجوما يعده الشيخ جاسم آل ثاني بصحبة الشيخ يوسف الإبراهيم وأبناء الشيخين محمد وجراح، وبالاتفاق مع أمير حائل محمد بن رشيد واحتمال ان يكون اندفاعاً بريا وبحريا فأرسل الطراد بيجن لمراقبة الأحداث فقط وعدم التدخل. لكن وفاة أمير حائل أزالت الخطر. فجمد الاتصال على الرغم من محاولات الشيخ مبارك استنهاض القوى المنافسة لبريطانيا كفرنسا وروسيا عن طريق رسائل وإيحاءات. وما ان قارب عام 1898 على الأفول وتحديدا في 24 ديسمبر منه، عندها اتضح لبريطانيا ان إرادة سلطانية قد صدرت في اسطنبول بالتصريح الى رجل أعمال روسي (الكونت كامبنست) بمشروع خط حديدي ومحطة لتزويد الفحم موقعها بالكويت حتى تحركت الماكنة الدبلوماسية البريطانية بأقصى جهدها وفق ما جاء في تعليق اللورد سولزبوي وزير الخارجية على ضرورة الاسراع لتوقيع الاتفاقية «نحن لا نريد الكويت، لكننا في الوقت نفسه لا نريد لأحد غيرنا ليأخذها». شروط المعاهدة فأعطيت التعليمات الى “ميد” الذي سبق ان اقترح ان تكون أحد الشروط «حماية مبارك من أي اعتداء»، كما جاء في رسالة «ميد» الى حكومة الهند في 30 ديسمبر 1898 (ملف رقم 15/1/472 R سجلات مكتب الهند). غادر ميد بوشهر في 18 يناير 1899 على ظهر السفينة لورنس ويصحبه جاسكين وآغا محمد رحيم صفر بعذر قيامه برحلة صيد في جزيرة خرج، ولكي يكون بقاؤها سريا لم يرفع القبطان علم المقيم على سارية السفينة كما هي الأصول المتعارفة زيادة في الاحتياط، وعند وصولهم الى الكويت صباح يوم 21 يناير كانت في مرفئها السفينة الحربية العثمانية «زحاف». فأرسل ميد القبطان وجاسكن لدعوة الشيخ مبارك، لكنه كان متخوفا – كعادته اللقاء عند وجود العثمانيين، فقام بإرسال أخيه الشيخ حمود بدلا عنه، في اليوم التالي، 22 يونيو تم إعلامه بالمحتوى، وصادف ذلك الاجتماع عصر اليوم الذي غادرت به «زحاف» الكويت. كانت بنود الاتفاقية بمضمونها على غرار ما وقعه سلطان مسقط عام 1891، وشروطها التعهد من الشيخ مبارك وورثته من بعده بألا يعطي أو يتنازل أو يؤجر ويرهن أي جزء من الأراضي التابعة له من دون موافقة الحكومة البريطانية. والا يجري هو وورثته من بعده أي مباحثات أو اجتماعات أو إقامة علاقات مع حكومة أخرى أو ممثليها من دون أذن الحكومة البريطانية. خيارات وعروض مالية أما الخيار للعرض المالي مقابل ذلك فهو مبلغ مقطوع قدره خمسة آلاف جنيه أو تتقاضى معونة سنوية قدرها مائتا جنيه. وعلى حد تعبير اللورد سولزيري «عوضا عن شراء حياد الشيخ بالكامل، فإننا نؤجره سنويا». كما ذكرته رسالة ساندرسون الى ووتز 19 يناير 1899. اما المقيم السابق اديلبرت تالبوت، الذي يعرف الكويت جيدا بحكم عمله في بوشهر منذ 1891 – 1893، فقد علق على ذلك بقوله «ان الشيخ سيرمي نفسه بين ذراعينا مجانا». وهو ما جاءت به رسالة اللورد كيرزن الى هامتلون سكرتير حكومة الهند بتاريخ 12 يناير 1899. في ليلة 23/22 تمت كتابة الاتفاقية من قبل ميد وفي يوم 23 يناير عرض النص على الشيخ الذي طلب إضافة نص واضح لحمايته وورثته، فوافق ميد على اعطائه رسالة منه بهذا الخصوص بعدما طب، الشيخ تعهدا خطيا بحماية بساتين النخيل العائدة إليه ومبلغ خمسة عشر ألف روبية، لكن ميد رفض ذلك وهدد بالانسحاب، عندها تنازل الشيخ نتيجة هذا التهديد وتم التوقيع من دون مناقشة على ثلاث نسخ ووقع مساعده جاسكن كشاهد، إضافة الى قبطان السفينة لورنس، فطلب مبارك من أخيه الشيخ حمود التوقيع، فرفض، خوفا من مصادرة العثمانيين أملاكهم في الفاو، ما لم تتعهد بريطانيا بحمايتها، كما رفض أخوه الثاني الشيخ جابر ذلك. (لوريمر، دليل الخليج، ص 396). بقيت سرّية أبقيت الاتفاقية سرية باعتراف صاحب التوقيع الاهم عليها، وهو نائب الملك وحاكم الهند اللورد كيرزن، كما يذكر في كتابه «قصص السفر»، والذي نشره عام 1923، متحدثا عن ذلك (ص247): «كنت اول نائب للملك في الهند يزور الكويت والشيخ مبارك، واكملت معه اخيرا اتفاقية سرية نيابة عن حكومة صاحب الجلالة.. ولم يكن امرها معروفا في الكويت الا لدى اخوي الشيخ مبارك، اللذين رفضا التوقيع». ويذكر تقرير للقنصل البريطاني في البصرة وارتسلو WARTSLOW: ان حمدي باشا والي البصرة استفسر في 13 يناير 1900 من المندوب البريطاني عن مدى صحة عقد اتفاق بريطاني مع الشيخ مبارك. وكان جواب المندوب انها مجرد اشاعة للإساءة الى حكومة صاحب الجلالة. (مجموعة وثائق تخص الكويت، المجلد الثاني، الجزء الاول، ص37 AFFIRS OF KUWAIT). ومهما قيل ويقال عن ذلك، فان الحكومة البريطانية كانت حريصة على ان تبقى المعاهدة سرية وفاعلة في الوقت نفسه. ولم يكشف الستار عنها الا بعد هزيمة الصريف 17 مارس 1901 وتداعياتها، حينما وصلت السفينة العثمانية {زحاف} الى الكويت في 25 اغسطس 1901 ليتصدى لها الطراد البريطاني برسوس وإنذارها بمغادرة الكويت «حتى لا يضطر لاستخدام السلاح» لم يكن حادثا عابرا، كما كان وصفه قبطان الطراد البريطاني سفنكس الى القنصل البريطاني في البصرة: «الان سكب الدهن على النار». وتبعه فصل جديد للتفعيل وهو ابقاء الحالة STATUS QUO وعدم التدخل العثماني في امور الكويت او محاولة اي تغيير. وهو ما حصل في سبتمبر 1902 حينما حاول ابناء الشيخين محمد وجراح اطاحته للمرة الثانية فتعرض لهم الطراد لابونغ في خور عبدالله. وكذلك التدابير التي اتخذتها البحرية البريطانية بين سبتمبر 1901 ويناير 1902 حينما حاول بن رشيد مهاجمة الكويت، ليجد بانتظاره اسطولا مكونا من ست قطع بحرية، اضافة الى قوة من مشاة البحرية البريطانية، وتعدادها اكثر من ستمائة جندي، فعاد ادراجه بضغوط العثمانيين، ومبلغ مالي كبير لارضائه ولم تمر تلك الأزمة دون توبيخ من قبل اللورد كيرزن الذي قام بزيارة الكويت يومي 28 و29 نوفمبر 1903 وعنها ما ذكره لوريمر في دليل الخليج، الجزء الثالث التاريخي (ص419): «ان صاحب العظمة اكد في نصحه للشيخ مبارك ان ينأى بنفسه عن اي صراع في وسط الجزيرة، فأكد له ان الحكومة البريطانية قد وعدت بحمايته والكويت من اي هجوم عليها، لكنها لا تستطيع ان تتدخل اذا زج بنفسه في مشاكل وسط الجزيرة. فأكد الشيخ مبارك ردا على ذلك انه فهم نصيحة عظمته فهما صحيحا وسيلتزم بتنفيذها». لتستقر الامور بعد ذلك نتيجة التزام بريطانيا بنص الاتفاقية وتفعيل دورها وارتأت بعد ذلك التواجد الفعلي المباشر لها في الكويت، فتم تعيين اول وكيل سياسي بريطاني، وهو الكابتن نوكس في يونيو 1904 ليأخذ الاتفاق منعطفا جديدا، تلته اتفاقات ثنائية، اهمها اتفاق 1900 لمنع تهريب وبيع الاسلحة في الكويت. مؤرخ الكويت من وجهة النظر الكويتية المحلية يمكننا القول وبدون اي تحفظ ان عبدالعزيز الرشيد وهو مؤرخ الكويت الاول، كان شاهدا عدلا على الحوادث التي لازمت فترة عقد المعاهدة، فهو قد ولد في الاعوام العشرة الاخيرة من حكم الشيخ عبدالله الصباح الحاكم الخامس وتحديدا عام 1875. وعلى الرغم من انه لم يكتب عن الموضوع بالتفاصيل، يقول «انني لا ادعي العصمة فيما كتبت ولا الكمال فيما جمعت. ولكن حسبي اني اول من رمى حجرا في ذلك الاساس، واول من سلك هذا الطريق المخيف. وحسبي اني سهلت به على من يأتي بعدي كثيرا من الصعوبات التي تنتاب المؤرخ في بحثه وتنقيبه». سيرة حياة الشيخ عبدالعزيز الرشيد، د. يعقوب الحجي ص132. ويضيف على ص125 عن كتاب تاريخ الكويت: «لا شك في ان هذا الموقف كان مزعجا للشيخ احمد الجابر. فقد هان عنده الاحراج الذي سببه بذكر مساوئ الشيخ مبارك، لكنه اثبت في هذا الموقف انه انسان حر التفكير، حي الضمير». ويكمل: «لقد اصدر امره بالا يمس الكتاب واعلن انه سوف ينشره في القريب العاجل سالما من كل نقص»، وقد نشرت ذلك جريدة الشورى المصرية عدد 151 في 13 يناير 1927. وكانت الجريدة قد وجهت نداء للشيخ احمد لكي يعدل عن قص بعض الصفحات، لان ذلك «عبث بالتاريخ» كما وصفته. السبب الأهم للمعاهدة وبالرجوع الى تاريخ الكويت لاستخلاص الاسباب التي دعت الشيخ مبارك، وهي وان لم تنكر محاولات العثمانيين ومن ثم ابن رشيد، لكنها جاءت حتما نتيجة لوقوف الشيخ يوسف مع ابناء المقتولين، وهذا هو السبب الاهم لعقدها، وهو ما صرح به على (ص255) طبعة قرطاس: «اما مبارك فمع آماله البعيدة فلم يفته ما كان يجول في خاطر عبدالعزيز الرشيد نحوه، فكان ولا يفتأ ينظر اليه بعين الحذر ويراقب حركاته عن كثب ويود معالجته. بما يخضد شوكته ويقطع شأفته، غير انه ظل تلك المدة الطويلة بعد وفاة محمد آل رشيد وهو ملازم للهدوء والسكون، ولم تبد منه حركة ضده. وما ذاك الا امامه من هو اولى بالاهتمام امامه عدو ماهر، عدو قوي قريب نوّع عليه المشاكل واكثر عليه التهم والاختلافات. امامه يوسف آل ابراهيم البلاء المنزل والصاعقة المحرقة الذي لم يدع له وقتا يتفرغ فيه لسواه، اذا فلا غرابة اذا ما رأينا مبارك اعطى ابن الرشيد اذنا صماء واشتغل بيوسف دونه». فقط حمدي باشا اما في ما يتعلق بمضايقة الولاة العثمانيين للشيخ مبارك فيمكننا القول انه منذ توليه الحكم 17 مايو 1886 حتى نهاية الحكم العثماني عام 1914 في البصرة، فان عدد الولاة قد بلغ 20 واليا، ولم يختلف مع الشيخ مبارك الا وال واحد هو حمدي باشا، اما الباقون فهم على علاقة جيدة الى درجة ان احدهم وهو محسن باشا جاء الى الكويت شخصيا ليطمئن على سلامة الشيخ مبارك بعد معركة الصريف، حيث وصلها في 19 وبقي فيها الى 25 مايو 1901، وغادرها معه الشيخ مبارك الى الفاو، وقبلها كان السبب في اجهاض محاولة مشير بغداد احمد فيضي باشا في مسعاه العسكري ضد الكويت، وان كانت تلك مجرد مناورة خاوية ومثلها ما قام به كاظم باشا قائد الخيالة قبيل معركة الصريف حينما ادعى بعدم توفر العلف للخيل، فرجع الى بغداد من السماوة في فبراير 1901 متعللاً بذلك السبب! ولم يخرج تصرف العثمانيين عن نطاق المناورات والتهديدات فقط، بينما تقبع الحقيقة في تمكن بريطانيا من فرض شروطها المباشرة وسياستها على الباب العالي والسلطان شخصياً ازاء اي تدخل أو تهديد ضد الكويت. من هنا نصل الى حقيقة واضحة ان السبب الرئيسي، وليس المساعد، هو مناهضة الشيخ يوسف آل ابراهيم للشيخ مبارك مما حدا به الى طلب الحماية البريطانية، ولولا ذلك ايضا لما كانت الامور تستوجب من الشيخ مبارك الدخول في خلاف مع اطراف اخرى محلية كانت أو اقليمية لدرء الخطر عنه، ولأبقيت الحال كسالف العهد من قبل. أهمية الخليج زادت أهمية الخليج بالنسبة الى بريطانيا في بداية القرن العشرين وظهور النفط فيه، ابتداء من إيران عام 1908 ثم البحرين 1931 وبعدها الكويت 1938 وقطر 1940 تلتها أبوظبي 1958، وأخيراً عمان 1964، هذا من ناحية، لكن انسحابها من الهند عام 1947، وانتقال إدارة الخليج منها إلى لندن مباشرة، ثم دخول الحرب الباردة إلى مسرح السياسة العالمية، أدى كل ذلك إلى تغير الأهمية الاستراتيجية للخليج بالنسبة الى بريطانيا، وظهور عوامل جديدة أهمها بروز الولايات المتحدة، وتأثير دورها في الأحداث العالمية، لتصبح القطب المناوئ للاتحاد السوفيتي وكتلته، وكذلك ظهور القومية العربية بقيادة مصر كلاعب مهم في سياسة الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم انتشار تأثير الشيوعية في المنطقة بتأييد من الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، كان ذلك من أهم العوامل لتبنيهم مشروع إخراج الاستعمار البريطاني، ومؤازرة حركات التحرر المطالبة بالاستقلال التام. كما أن الولايات المتحدة أخذت تسعى إلى نشر تأثيرها في المنطقة على حساب بريطانيا، على الرغم من سعيها إلى تحييد الحركات الثورية، ومكافحة الشيوعية خوفاً من تغيير الأنظمة المحافظة مما يضر بمصالحها، والمعروف أن علاقة أميركا تاريخياً بالخليج لا تزيد عن المشاريع التبشيرية وإدارة المستشفيات العائدة إليها والتي ابتدأت في البصرة 1891 والبحرين 1893 ثم مسقط 1904 وأخيراً الكويت 1910. ثم تبعتها بعد ذلك عمليات التنقيب عن النفط التي بدأت في البحرين عام 1929 ثم الكويت بالاشتراك مع بريطانيا 1934 وأخيراً المملكة العربية السعودية 1933، كما أن ثورة 23 يوليو 1952، وما تلاها من تأجيج المشاعر بعد الاعتداء الثلاثي 1956، حيث لعبت الجامعة العربية والإعلام المصري والثقافي دوراً كبيراً في إثارة المنطقة، أعقبها القضاء على النظام الملكي في العراق 1958، والإنزال الأميركي في لبنان في السنة نفسها. مؤشرات الاستقلال من كل هذا يمكننا القول إن بداية مؤشرات الاستقلال في الكويت أخذت تظهر للعيان بعد حوادث أزمة السويس عندها بدأ الاستغناء عن المستشارين الإنكليز والاستعاضة عنهم بالموظفين العرب، فأقيل أكثر من اثني عشر موظفاً إنكليزياً، بعد انذارهم لمدة أربع وعشرين ساعة في نوفمبر 1957، وأشهرهم الوكيل السياسي البريطاني السابق كورينليوس بيللي (أكتوبر 1943 – يونيو 1944) الذي شغل منصب مستشار مالي للبلاد. وبعد انقلاب 14 يوليو 1958 وما قد يجر ذلك من محاذير على الكويت، اتخذ القرار في نهاية عام 1958 بالانضمام إلى عضوية الجامعة العربية كنوع من الاحتياط، وقد سبق للكويت المشاركة في فعاليات الجامعة من خلال مكتب مقاطعة إسرائيل ولجنة البترول والمجلس الاقتصادي التابعة لها. تم كل هذا لعدم وجود نصوص تعيق ذلك في بنود اتفاقية 1899، لكن الوكيل السياسي البريطاني قد حذر من خطر الانضمام، الذي يجعل الكويت خاضعة للضغوط المصرية، فغض النظر عن ذلك آنياً، لكن في الوقت نفسه رشحت وزارة المواصلات والطيران المدني البريطانية الكويت لاستخدام رمز بحري منفصل وفق القانون البحري البريطاني، كما طبق عليها ما يخص قوانين السلامة في البحار، ككيان مستقل، بالإضافة إلى شمولها اتفاقية حمولة السفن، وكانت الكويت قد أسست شركة ناقلات النفط، وامتلكت ناقلة عملاقة، والتي جرى تسجيلها في الكويت، وهي أول باخرة ترفع العلم الكويتي في أعالي البحار، كما تم الشيء نفسه بالنسبة للطيران المدني، مما مكن تسجيل طائرات الخطوط الجوية إثر ذلك. في يناير 1959 أصبح واضحاً لدى لجنة شؤون الشرق الأوسط في مجلس الوزراء البريطاني، أن العلاقة ما بين بريطانيا والكويت دخلت في مرحلة من المتغيرات وهو أمر متوقع. مما أدى إلى دفع وتشجيع الكويت نحو نيل الاستقلال مع المحافظة على علاقة خاصة تاريخية بين الطرفين. وبما أن عقد الخمسينات شارف على الأفول بات من المحتم على الطرفين الاستعداد لتقبل هذا التطور طوعياً وبحذر، وكان الشيخ عبدالله السالم يحاول دائماً إشعار الطرف البريطاني بضرورة ترميم العلاقات العربية – البريطانية بعد تداعيات أزمة قناة السويس باعتبار ان «الناصرية هي أحسن تمثيل للقومية العربية» حسب مقولة السير جورج مدلتون المقيم السياسي في الخليج 20 فبراير 1959 هذا من جانب الأمور السياسية والدبلوماسية. ممانعات الانكليز أما ما يخص العلاقات الاقتصادية مع بريطانيا فالكويت كانت باقية في كتلة الاسترليني وتبيع معظم منتوجها من النفط إلى بريطانيا، وكان الميزان التجاري معها يقارب %28 بينما هو بحدود %18 مع الولايات المتحدة من مجموع الاستيراد العام. ولكن هذا النوع من التقارب في المصالح لم يمنع الصحافة الكويتية الناشئة من مهاجمة المصالح النفطية البريطانية وانتقادها، ولكن الثقة البريطانية في الإدارة الكويتية كانت كفيلة بألا تصل الأمور إلى ما لا يسر، آخذة بنظر الاعتبار التأثير الناصري والقومي على الشارع الكويتي الذي يضم الكثير من العرب العاملين أيضاً، مما ادى الى مظاهرات وتجمعات في أول فبراير 1959 كان نتيجتها اعتقال أربعة من منظميها وإلى إغلاق النوادي والصحف المحلية بعض الوقت. وفي سؤال بمجلس العموم البريطاني في فبراير عن الوضع في الكويت، كان رد الحكومة كالآتي: «ان – إمارة – الكويت هي دولة مستقلة وان حكومة صاحبة الجلالة ملتزمة بحمايتها» ويعني ذلك انه ليس من الضروري ان تمنح بريطانيا الاستقلال إلى الكويت. بل انها ملزمة ان توجه الكويت نحو نيل ذلك بأن تكون عضوا في منظمات عالمية. وهو ما ظهر عند الاحتفال بانتقال البريد إلى إدارة كويتية في 1 فبراير 1959. وبين فبراير ويونيو من نفس السنة أصدر الشيخ عبدالله السالم ثلاثة عشر مرسوماً أميرياً من ضمنها قوانين العمل والتسجيل التجاري والضرائب والموانئ. وقد استعين بالخبير القانوني المصري عبدالرزاق السنهوري للقيام بذلك، وكان آخرها قانون القضاء ونظام المرافعات الذي انتهى وضعه في 1 مارس عام 1960 وعمل به نوفمبر من السنة نفسها. خلال ذلك تمت تنظيمات الشرطة والجيش لتتلاءم مع الوضع الجديد. في أكتوبر 1960 ابتدأ انحسار المد الناصري تدريجياً، وكانت قد بلغ أشده بين عامي 1956 – 1958 وأخذت صور جمال عبدالناصر بالاختفاء وظهور صور الشيخ عبدالله السالم. كما أصبحت الكويت عضوا في منظمة البريد والاتصالات الهاتفية العالمية. ومنظمة الاستشارات العربية والمنظمة العالمية للطيران ومنظمة الصحة العالمية وأضحى احتمال قبولها للانضمام إلى مجلس النقد العالمي وبنك إعادة الإعمار العالمي واردا. أمام هذه التحولات ابتدأت الصحافة المصرية في 24 يناير بالتنبؤ بقرب إعلان الاستقلال وفتح مجال التمثيل الدبلوماسي والانضمام إلى جامعة الدول العربية. كما ظهرت شائعات بانضمام الكويت إلى منظمة الكومنولث البريطاني. ولكن نفيا رسميا ظهر في جريدة الكويت اليوم في 7 مايو 1961 أفشل تلك الشائعات. في 1 نوفمبر 1960 جرى أول انتخاب في الكويت لاختيار مختاري المناطق السكنية وفي أبريل 1961 ألغيت الروبية الهندية كعملة للتداول وأصبح الدينار الكويتي عملة رسمية للدولة. وهي خطوات مهمة في التقرب إلى نيل السيادة التامة. في 19يونيو 1961أعلن الشيخ عبدالله السالم اعتبار معاهدة 1899بحكم المنتهية، وهو ما صرحت به المحاضر المتبادلة التي تحدد المطالبة بذلك باعتبارها لا تتلاءم مع نص السيادة والاستقلال الكويتي. فوافقت بريطانيا على هذا المطلب ازاء رغبة الكويت وانها جاهزة للتعاون في بلوغ ذلك. مع ابقاء معاهدة الدفاع في حالة الاعتداء على الكويت قائمة. وهو ما اعتمده الشيخ عبدالله السالم إلى تثبيت عضوية الكويت في المحافل الدولية كالأمم المتحدة والجامعة العربية وان تحوز إضافة لذلك على الاتفاقات الإقليمية ضمانا لها وسلامة نظامها، وكان واضحا في الخطاب الذي أعلنه عن استقلال البلاد، مشيدا بالالتفاف الداخلي وتقوية روابط الإخوة بين الكويت وشقيقاتها العربيات. أطماع قاسم ولكن الفرحة لم تستمر طويلا فبعد ستة أيام (26 يونيو) من الغاء الاتفاقية برزت على السطح الاطماع القديمة المتمثلة في مطالبة عبدالكريم قاسم الجائرة في مؤتمر صحفي بضم الكويت إلى العراق. ففعلت إثر ذلك معاهدة الدفاع وخلال ثمان وأربعين ساعة من 1 يوليو وصلت طلائع قوات بريطانية من البحرين وقبرص وعدن وكينيا إضافة إلى قوات من بريطانيا رأساً بلغت 8000 جندي تحسبا لما قد يطرأ. ولكي تثبت الكويت التحامها العربي، فإن تلك القوات انسحبت بعد شهرين من بقائها لتحل محلها قوات عربية من المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة والسودان، وكان عددها 2000 جندي ابتدأت بالتناقص عام 1962 ثم انتهت في فبراير 1963، عندما قُبِرَ قاسم في الانقلاب البعثي الأول في فبراير 1963. وفي 7 مايو 1963 قبلت عضوية الكويت في الأمم المتحدة واعتراف العراق بالاستقلال التام للكويت، ولكن هذا الاعتراف نقض بعد أقل من ثلاثة عقود في 2 أغسطس 1990. المهم في كل هذا المشوار هو مسعى الكويت لنيل استقلالها التام كان البداية لشقيقاتها أمارات الخليج للوصول إلى الهدف نفسه. هذه هي حكاية اتفاقية عام 1899م, والتي ظلت مثارا ورديفا للجدل منذ بعثها وحتى رقادها. ولكن تبقى في مقياس الأحداث.. التي استعرضناها بإيجاز وامتدت من 23 يناير 1899حتى 19يونيو 1961، اعتبار عقدها تجربة مصالح كونها زواج مصالح ناجح وإلغاؤها لم يكن طلاقا قسريا بائنا بل انفصال ودي حتمته الظروف. ألم أقل في البداية انها كانت «خيرة» فليقاسم إرثها كل من كان سببا فيها. وختاماً لا بد ان استعير هنا من مؤرخ الكويت الأول عبارة كتبها تناغمت مع ما أسلفت: «إنها من حسن حظ الكويت التي لا تزال تحاط به منذ نشأتها». حفظ الله الكويت بعينه التي لا تنام من كل ضار ومكروه.
على هامش احتفالية العيد الوطني معاهدة 1899 مخاض الاتفاق وسلاسة الإلغاء, القبس, 21/02/2011
5802 اجمالي الزيارات 2 الزيارات اليوم
تعليقات الزوار