ذاع صيته من مومباي كأشهر رجالات العرب بدعم العلم والمسلمين 2000 جنيه نقدا و100 جنيه اشتراك سنوي لجماعة الدعوة لكن المشكلة التي وقع فيها المؤلف تبرز وتظهر أعراضها إذا ما عرفنا أن رشيد رضا لم يهمل الكتابة عن تلك التغيرات المهمة التي أخفاها واختزلها المؤلف لأسباب لا يعرفها أحد إلا من قام بهذا الفعل. لقد سجل رشيد رضا تفاصيل ما حدث ونشرها تباعا في مجلة المنار اعتبارا من ربيع الأول 1329ه – مارس 1911 اي بعد رجوعه من الاستانة بمدة وجيزة واستمرت الكتابة لسنوات عدة بعد ذلك التاريخ. فيكون بذلك – عظم الله أجره – قد أبرأ ذمته امام الله والعالم من خطيئة التجاوز والاقصاء فوثق ما تم وما رآه شاهدا عليه. وعلى الرغم من ذلك فقد تعمد المؤلف اغفال هذا الصنيع.. فتصور مبلغ الغبن الذي لحق بصاحب ذلك الجميل الذي نرجو من العلي القدير ان يزيد أجره ويضاعفه في ميزان أعماله. يبقى ان نعرف ما هي الدوافع التي جعلت المؤلف ومن هم على شاكلته لاغفال هذا الأثر الخير واخفاء أمور صريحة واضحة مكتوبة بيد أصحابها؟ وما النية المبيتة لاختيار مثل هذا المسلك والسلوك؟ مع انه كان يقف على الحقيقة كاملة وليس على مرمى منها بحكم استخدام المصدر نفسه بل الصفحة نفسها. هل عول المؤلف على ان القراء اغبياء جهلة لا يقرأون، وان أهل الخليج والجزيرة تحديدا لا يستحقون الذكر الطيب بل العكس مهما كانت أعمالهم، لذا وجب عليهم الدخول في الممنوع؟ هل نسي المؤلف وهو في مثل عمره الحكمة القائلة: «من نَشَرَ نُشر»؟ هل غاب عنه ان العلم أمانة يجب نقلها كما هي مع احتفاظه بالحق في مناقشته او تصحيحه، أما تحريفه واخفاؤه فهما جريمة وعمل منكر. أم إنها الشوفينية والمغالاة المتأصلة التي اطلت برأسها الكريه فطغت على العقيدة السمحاء التي كان من المفروض الا ينسى تعاليمها من يدعي نشر الفكر الإسلامي؟ لقد انكر المؤلف نداء الخالق الحق الذي تكرر في محكم كتابه اربع مرات: «ولا تبخسوا الناس أشياءهم» سورة الأعراف الآية 85. «ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين» سورة هود الآية 85. «ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين» سورة الشعراء الآية 83. «وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ولا يبخس منه شيئاً» سورة البقرة 282. فالدين هو الحق الصادق وليس لمن يتخذه مسوحاً. أم هي محنة الفكر السوداء المظلمة التي تريد ان تحتكر عقول الناس وتضرب حولهم حصاراً قاسيا ونفقا موحشا لا مخرج منه. فمهما كانت الحوافز فهي بكل الأحوال ليست خيارا ذكيا. فقد ظلم حتى من أراد تخليده وتبجيله وهو رشيد رضا حيث اقتطع أجزاء كثيرة مما كتبه فاعطى انطباع المتابع بأنه لم يذكر الحقيقة الكاملة كما سوف نوضحها. وهل تنقلب الآية عند المؤلف لو ان من قام بهذا العمل الخيري الكبير من ابناء بلده؟ فهل يفعله لو كان مصرياً او حتى خواجة من سكنة مصر؟ فما فتئت الاقلام وما زالت تهتبل الفرصة لاثارة مكرمة الاميرة فاطمة بنت الخديو اسماعيل لمشروع الجامعة المصرية (جامعة الملك فؤاد لاحقاً والقاهرة حاليا عام 1908 حتى اصدرت طوابع بريدية عام 1998 تحمل صورتها وتخلد مبادرتها). لقد صدق شاعر مصر الكبير حافظ ابراهيم حينما قال: وكم ذا بمصر من المضحكات كما قال فيها ابو الطيب الكويتي المولد والنشأة لم تكن مجريات الامور طلاسم كما ارادها المؤلف، بل ان عذابات ومعاناة رشيد رضا قد انتهت واختفت وان اهدافه قد تحققت بفضل الله ثم بتصدي احد ابناء الامة الغيارى البررة وهو الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم العنقري التميمي الكويتي مولداً ونشأة، النجدي اصلا وارومة. وهأنذا اضع الصورة بكل ابعادها امام القارئ الكريم وبكل بساطة وبدون عناء او مشقة فقد وجدتها على الصفحات نفسها التي ذكر بعض ما ناسبه منها ولكنه – غفر الله له ذنبه – لم ينقلها بما فيها بل اختزلها. واترك المجال للرشيد رضا ان يعرفنا بذلك كما كتبه قلمه في المنار الصادرة في 29 ربيع الاول 1329 هـ 30 مارس 1911 م، المجلد 14 الجزء 5 ص191. «زار مصر هذا الربيع الوجيه السري الغني السخي الكريم ابن الكريم الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم، وآل ابراهيم هؤلاء اكبر تجار العرب واجودهم ومحل تجارتهم في بمباي ثغر الهند العظيم، كان الشيخ جاسم قد علم بمشروع الدعوة والارشاد وهو في الهند. فلما جاء القاهرة كان همه الاول فيها لقاء كاتب هذه السطور لاجل مساعدة المشروع، فزرته في فندق شبرد، وكان جل حديثنا عن ذلك وكاشفني برغبته في المساعدة، ولما رد لي الشيخ الزيارة في ادارة المنار، راجعني في مسألة تبرعه واشتراكه فيه فسألته عن مقدار ما يجب ان يجود به، فاقترح ان يقول لي ذلك سراً حتى انه لم يصرح به امام كاتب سره المرافق له في سياحته وهو عبدالله افندي البسام، وبيت البسام يلي بيت آل ابراهيم في تجارة العرب الكرام، بحثت معه سبب اخفاء ما يجود به وعدم الاذن في ذكر اسمه فعلمت انه الاخلاص وابتغاء مزيد من الثواب. فوقف بنفسه على الامر ومدى حاجة الجماعة الى الدعم المادي فقرر التبرع بمبلغ 2000 جنيه انكليزي نقدا وتبرعاً ناجزاً و100 جنيه انكليزي اشتراكا سنويا على هيئة مكافآة توزع على طلاب دار الدعوة والارشاد». «ثم حضر الاجتماع الذي عقده للدعوة الى التبرع لانشاء مسجد لندرة عاصمة انكلترا، بعد هذا افتتح رياض باشا الاكتتاب بمائة جنيه وتبرع الشيخ جاسم آل ابراهيم نزيل مصر مائة جنيه وتبرع غيره دون ذلك من احاد وعشرات وكان مجموع التبرعات في تلك الجلسة زهاء ستمائة جنيه». وكان الامير محمد علي ابن الخديو توفيق ولي العهد قد طلب مقابلته في قصر القبة حيث شكره على هذا التبرع السخي ودعاه الى حفلة شاي للقناطر الخيرية فأقلتهم لها باخرة خديوية وكان ذلك يوم الجمعة 8 ربيع الثاني 1329 هـ مارس 1911م. تبرع الكبار وجاء ايضا قبلها في المنار ربيع الاول 1329 هـ ـــ مارس 1911 مجلد 14 جزء 3 ص 191: «من آيات هذه الحياة الجديدة تبرع الشيخ جاسم آل ابراهيم بألفي جنيه انكليزي لجماعةالدعوة والارشاد. استكبر هذا السخاء كبراء المسلمين في مصر وغيرها واستكثروه واستكبروا ان يعطي مسلم مالاً كثيراً لخدمة دينه في بلد غير بلده ووطن غير وطنه ولا يرجو به رتبة ولا وساماً ولا زلفى من الملوك والامراء ولا الجاه والشهرة منالدهماء وقد طال عليهم العهد ولم يسمعوا بمثل هذا العطاء. الشيخ جاسم آل ابراهيم رجل مسلم امته هي الامة الاسلامية اينما وجدت وحيثما حلت، لم يترب على بدعة وطنية مفرقة التي يبتعد بها المسلم من اهل بلد دخيلاً بين المسلمين في بلد آخر». وفي المنار جمادى الاخرة 1329 هـ ـــ يونيو 1911 المجلد 14 جزء 6 ص 480: «ارسل الي الشيخ جاسم آل ابراهيم عضو الشرف الاول والسابق بماله الى التأسيس حوالة من باريس على احد المصارف بمبلغ الف جنيه انكليزي، وهي القسط الثاني من تبرعه، فجزاه الله افضل الجزاء. وقد اثنت على هذا السخي الكريم اشهر الصحف الاسلامية في مصر وسوريا والاستانة وروسيا والهند وغيرها من الاقطار». وفي المنار ذي الحجة 1330 هـ ـــ ديسمبر 1912 المجلد 15 جزء 12 ص 921: «ومنها تعلمون ان الفضل الاول في تاريخنا المالي يعود الى المحسن العربي العظيم الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم عضو الشرف الاول لجماعتنا». وايضا في المنار جمادى الاخرة 1331 هـ ـــ مايو 1913 المجد 16 جزء 5 ص 400: «الم صديقنا الشهير الشيخ جاسم آل ابراهيم في هذا الربيع بمصر واقام فيها اسبوعاً، كان محل التكريم من سمو امير البلاد ووجهائها. وقد اقيمت له حفلة شاي في مدرسة دار الدعوة والارشاد واعدوا له مائدة حافلة شهدها الكثيرون من كبار العلم الديني والدنيوي يتقدمهم شيخ الازهر وشيخ مذهب الشافعية ووكيل نظارة المعارف علي باشا ابو الفتوح واحمد زكي باشا كاتب سر النظار. وقد سئل الطلبة امام الحضور عدة اسئلة فاحسنوا الجواب على اكثرها وطاف الشيخ جاسم مع ناظر المدرسة (صاحب هذه المجلة) معاهد المدرسة فاعجبه نظامها ونظافتها وسر بهذا العمل الشريف الذي هو المتبرع الاول له». وفيها ايضاً: ذو القعدة 1330 هـ ـــ نوفمبر 1912 المجلد 15 جزء 11 ص 874: «جاءني من صديقي المحسن الشهير والثري الكبير الشيخ جاسم آل ابراهيم عن خبر تأثير الحرب البلقانية هناك. فاجتمع تجار العرب عند زعيمهم الشيخ جاسم آل ابراهيم واتفقوا على اعانات فاصبح عندهم في يومين مائة وستون الف روبية، وكان القدوة الحسنة لهم في البذل الشيخ جاسم وابن اخيه السخي الكريم الشيخ عبدالرحمن آل ابراهيم. جملة ما دفعه تجار العرب الى يوم 13 ذي القعدة الحاضر مائة وثمانون الف روبية وهي تساوي اثني عشر الف جنيه انكليزي وقد دفع الشيخ جاسم وحده اربعين الف روبية من ذلك». وكذلك: محرم 1331 هـ ـــ يناير 1913 المجلد 16 جزء1 ص 77: «أولهم واولاهم بالشكر من جالية العرب في بومبي من اهلها صديقي الحميم المحسن العظيم الكريم ابن الكريم الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم الذي قام بحسن ضيافتي في غدوتي وروحتي واعدّ لي سيارة كهربائية خاصة اثناء مدة اقامتي في بومبي ثم ابنا اخيه الشيخ عبدالرحمن آل ابراهيم والشيخ يعقوب آل ابراهيم». كما جاءت اشارات خاصة واهتمام من السيد رشيد رضا بسيرة الشيخ جاسم آل ابراهيم الشخصية فوثقها، ومنها ما ظهر في المنار جمادى الآخرة 1330 هـ يونيو 1912 المجلد15 ج6 ص449 موضوع «طريقة الاكل عند امراء الهند» منها: «وصديقي الشيخ جاسم ابراهيم في بومبي يأكل بالطريقة الاوروبية». وفي المنار رمضان 1340 هـ مايو 1922 المجلد 23 جزء 5 ص383 يقول: «ان اخر ما سمعت من اخبار المسرفين خبر شاب من الوارثين كان قد انفق مبلغا عظيما في سبيل العلم فظننت انه سيكون كالشيخ جاسم ال ابراهيم في جده وعقله في بذله وبعده عن اللهو والباطل واهله». ويضيف: «وما رأيت احد الاغنياء العقلاء اشبه بالامير ميشيل (ربما يقصد ميشيل لطف الله) في انفاقه وتوفيره من الشيخ جاسم ال ابراهيم التاجر الشهير في بومبي ـ الهند فقد عهدناه ينفق من سعته في الاعمال العامة كالمدارس والاعانات للدولة العثمانية فيهب المئات والالوف من الجنيهات، ولا يطعم اهل الكدية والاستجداء منه بدينار واحد ولا درهم وان وقف على بابه طول النهار وأطراه بالبليغ من الاشعار». وعلى الرغم من قصر عمر هذا المعهد التربوي، الذي اغلقت ابوابه خلال الحرب العالمية، فان بعض تلامذته قد برزوا على الساحة الدينية والسياسية ومنهم: امام الحرم المكي الشيخ عبد الرزاق حمزة والحاج امين الحسيني مفتي فلسطين ويوسف ياسين مستشار الملك عبد العزيز ووزير خارجيته. ———————– تاريخ العطاءات ما اسلفت هو ملخص لما كتب عن الشيخ قاسم آل ابراهيم في المنار، فظهرت على صفحات كثيرة ومنها خطاب الشكر على صفحتين وعبر مدة فاقت العقد من الزمن، ومن لديه اعداد المنار، وهي الآن لحسن الحظ متوافرة في الاسواق ومدبلجة على قرص CD منذ تاريخ صدورها في 22 شوال1315هـ ـ `17 مارس 1898م والى تاريخ احتجابها في 29 ربيع الثاني 1345 هــ 1935م، سوف يرى بأم عينيه ما ذكرت بل اكثر، ولكن ومع الاسف الشديد، فقد غاب عن المؤلف ولم تظهر منه حتى اشارة او لفتة، بل جعل من التكريم محمية خاصة لمن يشتهي ويريد، فيسوؤنا ويسوء الحق والانصاف هذا الباطل المحض في سيد كريم لم يوف حقه على ما قام به من اعمال صالحة حتى ملأ الافاق عاطر نشره وطيب ذكره. ولابد لي هنا ان اشير الى أن آثار الشيخ قاسم لم تقتصر على صاحب المنار ودار الدعوة والارشاد بمصر بل تعدتها الى ردفه للانتفاضة الليبية بقيادة احمد الشريف السنوسي ضد ايطاليا عام 1334 هـ ــ 1916م وتبرعه لبناء اولى المدارس الحديثة في كل من: الكويت المدرسة المباركية عام 1911م، والبحرين مدرسة الهداية الخليقية 1919والى المجهود الحربي العثماني في البلقان 1912 والى الاسطول العثماني 1914 وجمعية الاسعاف الخيري وجمعية النداء الخيري وكلتيهما في دمشق 1911م ــ1329هـ، والجمعية الخيرية في البصرة، والجمعية الخيرية الاسلامية في المدينة المنورة، وتعليم ابناء الجالية العربية في بومبي، وبناء مرقد ومسجد الصحابي الزبير بن العوام في الزبير 1334 هـ ــ 1916، وتبرعه لبناء مسجد لندن 1329 هـ ــ 1911م، ومساعدته لمن تضرر من بعض تجار الكويت عند انهيار أسعار اللؤلؤ 1916 ومن انقطعت بهم السبل من بحارة وغاصة الخليج في مغاصات سيلان، وامور لا يعلمها الا الله لحرصه، رحمه الله، على الكتمان في ما ينفق. وقد رأينا ما ذكره السيد رشيد رضا قبل ذلك في معرض الحديث عنه. ان الكتابة في ذلك ليست للفخر، معاذ الله، كما يزعمه البعض، فالمقصد اسمى واعلى من ان يحتاج الى ذلك وما القصد في التحرير الا التن ويه بكذب الخاسرين. لقد مرت هذه الامور مرور الكرام على الباحثين، وهو شيء مؤسف حقاً ولم نسمع تعليقا او تصويبا عما ذكره المؤلف وربما تعزى الاسباب لامور ثلاثة: أولها: عدم اهتمام القراء بما يكتبه المؤلف. ثانيها: قلة المعنيين بالبحث والدراسات الجادة على الرغم من سهولة البلوغ إلى المصادر كما في بحثنا هذا. ثالثها: لم يعد عمل ما يطلقون على أنفسهم بالباحثين، هو البحث العلمي بل معالجة أمور أخرى. أقول قولي هذا واستشهد في اختياري العنوان أروع الأمثال وأصدقها، حينما ضرب الرسول (ص) مسلكاً في تقبل النقد والمعارضة، وهو يوزع بعض الفيء على الناس، ليبرز أعرابي أخذ نصيبه فاستصغره، فمد يده بالسوء وجذب رسول الله(ص) من طوق ثوبه بشدة قائلاً: يا محمد زدني فليس هذا المال.. مال لك ولا مال أبيك. فاستل عمر بن الخطاب (رضه) سيفه صارخاً: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فابتسم الرسول (ص) في حنان وطيب وقال: «دعه يا عمر.. ان لصاحب الحق مقالاً»!
إغفال دور الرواد من أهل الخليج وذكرهم في نشر المعرفة في مصر
4096 اجمالي الزيارات 2 الزيارات اليوم
تعليقات الزوار