حظي البحث الذي كتبه الزميل الأستاذ يحيى الربيعان تحت عنوان “عطاء الرواد.. بين المحذور والميسور” والذي نشر في “الطليعة” بالعدد 1267 بأصداء طيبة وواسعة لدى العديد من الباحثين في التراث والأكاديميين والمهتمين وكان من بينهم الباحث محمد سعد الأحمد الذي يحضر لأطروحة الدكتوراه في جامعة لندن والدكتور شملان العيسى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت. وتنى الباحث الأحمد على الأستاذ الربيعان نشر صور المعنيين الرئيسيين في البحث إلى جانب من نشرت صورهم، ولقد استجاب الأستاذ الربيعان مشكورا فزودنا ببعض ما توافر لديه من صور نرجو أن تكون واضحة لدى النشر وذلك بسبب قدمها. وتنشر “الطليعة” هذه المقالة للأستاذ يحيى الربيعان وعنوانها “عندما تلتقي المعرفة بالحقيقة” وذلك استكمالاً لجوانب مهمة من البحث المنشور سابقاً، وفقاً لما توافر لديه من مصادر، والأستاذ الربيعان بذلك يسلط الضوء على جزء مهم من تاريخنا شبه المغيب لأسباب عديدة، ودعا في هذه المقالة الباحثين والمهتمين للاستزادة من البحث الموثق لجلاء هذه الجوانب المشرفة من تاريخنا، منوها إلى أن اختيار عائلة بعينها لا يعني بأي حال من الأحوال الانتقاص من دور الأسر الكويتية الأخرى التي تفاوتت في الاجتهاد وتباينت في الأدوار ويبقى الإسهام على قدر التمكن كما يكون الأجر على قدر المشقة ولكل حقيقته. ويسرد الاستاذ الربيعان في هذه المقالة جوانب منيرة كانت محصلتها النهائية تصب في دعم الكويت وأهله وأهل الخليج أيضاً، ودعم العرب والمسلمين أينما كانوا، ويشير الكاتب الربيعان باختصار إلى أن أموال آل إبراهيم كانت بمثابة احتياطي مالي للدولة بالمفهوم الحديث، تكون تحت تصرف الحكومة والكويت الوطن والمواطنين عند كل الطوارئ والملمات. المقال الثاني: لقد اتيحت لي فرصة حضور ندوات الموسم الثقافي الرابع والعشرين لرابطة الاجتماعيين التي تدور مواضيعها حول “الكويت ومجتمعها المدني”. وكان تركيزنا على موضوع المحاضرة الخامسة “حركة التنوير في المجتمع الكويتي وتأثيرها في قيام المجتمع المدني”. وبمعرفتنا أن التاريخ لا يعني الحدث المجرد، بل هو الحياة التي تظهر بصورة واضحة وجلية. ويبقى دور بحث الموثق والمؤرخ في حالة عطس للاستزادة من مساع تكشف المعرفة. وهو الهاجس الذي يستدر الأسئلة التي بدورها تولد أسئلة جديدة لتوضح السبل للوصول إلى الحقيقة أو القرب الكبير منها. فالمبصر يستمع إلى حوار العمليا، ولكن الأصم لا يستمع إلى أي حوار والأسئلة التي ترد على هيئة افتراضات تقبل أن تبرهن على صحتها أو دحضها وتتولى الرؤيا مهمة تقريب الإجابة عنها، فعند هذه التخوم تلتقي المعرفة بالحقيقة. كانت مساهمتي كتابة مقال طويل في جريدة “الطليعة” خلال الندوات بعنوان “عطاء الرواد بين المحذور والميسور”. تناولت فيه مساهمة أسرة كويتية عربية كبيرة لعبت دوراً بارزاً في تاريخ المنطقة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولم يكن المقصد من ذلك الإطراء فهذه الأسرة في غنى عن ذلك. تناولت ذكرهم كتب التاريخ قديما وحديثاً فكلما جاء للكويت أو الخليك ذكر برز اسم أحد أعيانها، إشارة واضحة وحقيقة دامغة لا تشوبها شائبة عن دورهم الريادي المميز، ولكن ما أوردته في مقالي السابق هو ما أدوه في تفعيل وتسيير وتيسير حركة التنوير في الكويت وما جاورها. ولم يكن اختيار أسرة آل إبراهيم يعني الانتقاص من دور الأسر الكويتية الأخرى التي تفاوتت في الاجتهاد وتباينت في الأدوار.. ويبقى الإسهام على قدر التكمن كما يكون الأجر على قدر المشقة.. ولكل حقيقته..!! ويبقى تمييز هذه الأسرة عن غيرها قد جاء نتيجة للكم الهائل من تلك الجهود. ربما كان ذلك نتيجة تملكهم لناصية الأمور من توجه اجتماعي موروث منذ أزمنة غابرة.. إضافة للوفر المادي الكبير الذي تمتعوا به امتداداً زمنياً بعيدا وما حتمته ارتباطات أسرية توجها إيثار حملوا به النوايا الطيبة والعزائم الصادقة والهمة المكينة نحو الأمل والتقدم والعلم. وقدر كل امرء ما كان يحسنه. الجاهلون لأهل العلم أعداء لذلك وجدت تسليط بعض تاريخ هذه الأسرة ضرورة حتمية للإجابة عن بعض أسئلة المهتمين خللا الندوة قبلها وبعدها.. وإزالة ما جهل أو خفي أو طمس أو قزم لذلك الدور الذي أخذته باستحقاق وأعطته للكويت بدون مقابل. كما واذكر على سبيل المثال والحصر المداخلات والتعليقات ومنها مقولة الأخ أحمد النفيسي عن ردود فعل القراء للمقال السابق ووصفه بالجودة الشمولية وما تسلمته جريدة “الطليعة” من استفسارات ورسائل ومنها ما بعثه أحد الدارسين في الخارج متضمنة ثناءه على جدية المقال وفائض المعلومة ومطالبته بنشر صور الشخصيات التي ورد ذكرها في المقال إن وجدت وهذا ما حققناه. كما كان تعليق د. شملان يوسف العيسى “إن البحث رائع ويستحق أن يصدر في كتاب، وقد دفعني بحثكم هذا إلى الرجوع إلى ما كتبه الوالد الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، فأنا لم أطلع على كتاباته منذ أن توفي. أما محاضرة د. يعقوب الحجي التي ألقاها يوم 10 مارس 1997 ضمن فعاليات الموسم الثقافي للرابطة. فقد جاء ذكر الشيخ قاسم الإبراهيم عند حديثه عن تاريخ التعليم، وأثنى على التبرع الجزل لآل إبراهيم بقوله: “ورغم كون آل إبراهيم قد تبرعوا بحصة مالية كبيرة جدا لبناء المدرسة المباركية إلا أنهم لا يشترطوا شيئاً، بمعنى أنهم لم يطلبوا نظير ذلك منصباً أو مردودا وهذا إيثار كبير تجاه الوطن والعلم. وما زالت ردود الفعل مستمرة فقد سألني أحد الإخوان مستفسرا ن كتاب “تاريخ آل إبراهيم في الهند” وكوني لم أسمع بذلك شخصياً.. لذا أطلبمن القراء الكرام أن يتفضلوا بالإعلام عنه إن وجد وربما تكون به أمور يستفيد منها الباحث والدارس. لا أريد أن أتعمق كثيراً.. ولكن حالة تاريخ هذه الأسرة.. هو ما إن تفتح صفحة حتى يتورق أمامك كتابها. ولكن ما أعرفه عن صلتهم بالهند هو كون الشيخ عيسى بن محمد آل إبراهيم وهو من أوائل الكويتيين الذين سافروا وتعاملوا تجارياً هناك منذ بداية حكم الشيخ جابر بن صباح “حاكم الكويت الثالث” في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي أي ما يقارب القرنين من الزمان. وقد استقر فرع منالأسرة هناك بعده اتبداء من الشيخ محمد بن علي آل إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن علي الإبراهيم.. أول من أقيمت عليه صلاة الغائب في تاريخ الكويت حينما أمر الشيخ مبارك الصباح بذلك “راجع كتاب من هنا بدأت الكويت.. عبد الله الحاتم..”. وخلفه الشيخ قاسم بن محمد بن علي آل إبراهيم والشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن علي آل إبراهيم” ملوك اللؤلؤ العربي” كما جاء ذكرهم في مقالنا السابق ولحين وفاتهم.. ذكر الأستاذ سيف الشملان “أخبرني المرحوم يوسف بن عيسى القناعي، وهو من المعاصرين لحكم الشيخ محمد الصباح “حاكم الكويت السادس” بعدما استولى الشيخ مبارك علىالحكم سنة 1313هـ – 1896م. إنه وجد في خزينة الإمارة سبعمائة وخمسين ريالاً فرنسياً، ومبلغ احتياطي كبيراً للإمارة قدرة خمسة وسبعون ألف روبية أودعها الشيخ محمد الصباح عند ىل إبراهيم في بومبي بالهند”. وهذا دليل على كون الأسرة سفارة وتمثيلاً مالياً للكويت هناك. وهنا جاء نشرنا صورة لبرقية أرسلها الشيخ حسين بن علي بن سيف ومحمد بن بشر الرومي وعبد الرحمن بن يوسف الرومي وهم من كبار طواويش اللؤلؤ وتجاره يعلمهم بإعلان الحرب العالمية الأولى وعدم شراء لؤلؤ جديد لتأزم الموقف.. والكل يعرف أن تجارة اللؤلؤ في ذلك الوقت هي عماد الحياة في الكويت.. (راجع كتاب الغوص على اللؤلؤ –ص262- سيف مرزوق الشملان). وهنا تأتي قوة دورهم وكونهم عيون الكويت وآذانها في ما يتعلق بأسباب تجارة الكويت وازدهارها. حمى لأهلها هناك، ومقولة “أنصوا كوالابا” هي كلمة السر لكل محتاج أو منطقع من أهل الكويت أو الخليج.. و “كولابا” هي قصور ودواوين ومكاتب آل إبراهيم في ضواحي بومبي.. و “انصوا بلهجة البحر سابقاً تعني اقصدوا أو توجهوا”.. يذكر مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد في كتابه “تاريخ الكويت ص124” عن التمايز الذي بادرهم به الشيخ جابر الصباح “حاكم الكويت الثالث”. وإعفائهم من الرسوم وعدم مساواتهم مع بقية التجار. وحكمته في ذلك أنه إذا احتاجت الكويت إلى إسناد ودعم مادي فإن ما تملكه الأسرة هو تحت تصرف الكويت إلى إسناد ودعم مادي فإن ما تملكه الأسرة هو تحت تصرف الكويت، كشأن أي احتياطي مالي في الدول الحديثة. وبرهنت ذلك الحوادث ومنها تصدي أهل الكويت لأعدائها في إحدى المواقع صادف أن نفد العتاد. فأرسل الشيخ عبد الله بن محمد آل إبراهيم أحد رجاله ليجلب أكياس النقود المعدنية لكي تثني وتستعمل بدلا من العتاد فقاتلت الكويت به حتى النصر. إن التاريخ شواهد لمواقف أهل الخير الكثيرة، إذ أصابت الكويت أزمة شح فيها الطعام وباتت المجاعة قاب قوسين أو أدنى فأطلت بوجهها الكريه المخيف في ما سمي بسنة الهيلك 1285 هـ – 1288هـ، فكان لآل إبراهيم وآل بدر وآل صبيح، وسالم بن سلطان وعبد اللطيف العتيقي اليد الطولي لصد تلك الأزمة القاتلة (راجع كتاب – صفحات من تاريخ الكويت – يوسف بن عيسى القناعي ص58). كمما حصل كذلك حينما فرضت الدولة العثمانية ضريبة حرب مادية لدعمها في حرب القرم ضد روسيا في الثمانينات من القرن التاسع عشر.. عجزت موارد الإمارة عن تحقيق ذلك. تصدي لهذه المهمة رجلان من أصحاب المواقف العظيمة والأيادي البيضا فرفعوا الحرج ودفعوا البلاء هما الشيخ علي بن محمد آل إبراهيم والمرحوم يوسف الصبيح وكان مقدار تلك الضريبة تسعة آلاف ليرة ذهبية. ولابد لنا هنا أن نعرج إلى مساندة أهل الكويت لإخوانهم حيثما وجدوا: طلب الشيخ قاسم آل ثاني دعم الكويت في حربة مع أبو ظبي عام 1888، فأتاه الدعم بشخص الشيخ يوسف آل إبراهيم “راجع كتاب – التطور السياسي لدولة قطر – د. عبدالعزيز المنصور. وقد علمت من مصدر لا يرتقي إليه شك عن اتصال وغسناد مادي لحركة المهدي في الربع الأخيرمن القرن الماضي ونضالها ضد التسلط البريطاني على السودان وكان ذلك الدعم مصدره الشيخ يوسف آل إبراهيم الذي قال عنه أمين الريحاني “هذا الرجل هو يوسف الإبراهيم من كبار تجار الكويت، فقد كان يوسف بنفسه ثورة ودولة” راجع كتاب ملوك العرب الجزء 2 – ص176. يذكر فؤاد حمزة في كتابه “البلاد العربية السعودية ص11” عن تكفل الشيخ يوسف آل إبراهيم باحتياجات وكلفة أول زواج للملك عبد العزيز آل سعود في الكويت عام 1894م.. وقد أورد الرواية نفسها خير الدين الزركلي في كتابه “شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز – الجزء 3-4 ص953”. وتواكبا والتحاقا بركب الحضارة والتقدم فإن أول سفينة تجارية دخلت الكويت عام 1886 كان بوساطتهم. “راجع كتاب الكويت عام 1868م – عبد الله ناصرالصانع. كما وأن أول سيارة درجت على أرض الكويت والجزيرة هدية منهم إلى الشيخ مبارك الصباح عام 1912 “راجع كتاب – من هنا بدأت الكويت – عبد الله الحاتم”. إن ما ذكرته في المقال السابق 2/3/1997 وفي هذا المجال.. حقائق مدعومة بمراجع ومصادر موثقة ذكرتها.. وفي متناول الأيدي.. لم ابتدع جديداً.. ولم أسلك طريق التهويل أو المبالغة.. ولم أضف إلى ما ذكرته كتب التاريخ شيئاً.. وما عملته هو استفراغ لهذه المصادر والكتب.. لأضعها أمام الباحثين. ليأتوا بالمزيد وليدققوا ويحققوا لظهور الحقائق.. مهما كانت أمام من يريدها.. وكل ما أبغيه هو أن تاريخ أسر الكويت هو تاريخ لها.. ومهما بلغوه من سؤدد هو ملكها ولا ينازعها به أحد.. فالكويت هي الكل وهي البداية وبها النهاية. ولكي نعرف قدرها أكثر يجب أن نقرأ ونبحث ونعمل.. فلنبدأ بالكتاب.. لأن عهده عندنا أوشك على الأفول.. وانتقل إلى زوايا الإهمال.. بعد أن تحول الكل إلى هواة لجمع الأسهم.. وجع القلب.. وما تجلبه تلك من السلوكيات التي نحن في غنى عنها.. ولنعرف أنه قبل ما يقارب الستمائة عام وفي الأندلسز. وغرناطة بالذا.. نصت وشرعت شروط لمن يريد الولاية أو المنصب المهم.ز أن يكون مقتنيا للكتب قارئا لها.. ويمتلك في بيته خزانة لها.. فما أحوجنا إلى ذلك في يومنا هذا.. وأعود لرد جريدة “الطليعة” في عدد الأربعاء 19 مارس 1997 لرسالة تتعلق بموضوعنا السابق “لقد مسخ تاريخنا بمعلومات مشوهة في أحسن أحواله يروي اهتمامات المندوبين إلى المستعرمات البريطانية وما يسجلونه عن هذه المنطقة وحركتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما نأمله من السيد محمد سعد الأحمد وأمثاله الدارسين أن يبحثوا عن ما ينصف شعوبها”. لقد ذكرت وبعجالة عن أسرة من بلدي.. أعطت دون حساب في زمن الشح والقحط والجدب.. لأرض لا ماء فيها ولا نماء.. لا زرع ولا ضرع.. طبيعة قاسية.. حياة صعبة.. ورغم ذلك قدم الرجال العطاء السخي من حر أموالهم وبلا منة.. فكتبت أسماؤهم في اليوم حينما تفرجت كنوز الأرض كالبراكين.. أطلقت بلدية الكويت على شوارعها ومعالمها.. أسماء.. يوسف العظمة.. وقاسم أمين.. وعبد الرحمن الكواكبي.. وهذا شيء جميل.. ولكن.. تناست “من كان يأنسها في المركب الخشن”!!!
الطليعة: شئون كويتية، الأربعاء 26 مارس 1997، العدد: 1270 حاكم الكويت الثالث أعفى آل إبراهيم من الرسوم باعتبار ما يملكونه احتياطيا مالياً للكويت
5899 اجمالي الزيارات 1 الزيارات اليوم
تعليقات الزوار