ما يسوغ البحث في نشأة هذا الموضوع، الذي يفرض الاستفاضة بالانغماس في لججها بحيث لا يشق على الدارس عنها بأن يتلمس الشواهد الهادية إلى بداية تكوينها ليعرف تفاصيل ما كان منها، حينما كانت الهند لزمن طويل متجرا ووجهة خصوصا لأهل الكويت وهم الأبعد مسافة من إخوانهم في بقية اقطار الخليج، والأكثر بروزًا والأوقع أثرا. وهو ما ظهر واضحًا عبر ما خلفة مضمون التراث الغني من خلال ما ظهر من مقتضيات البحث العلمي اثرالتنقير في مكونات تلك المصادر، بعيدا عن التأويل والتهويل وسرديات روائية أو نسخ حكائي تيك اللواتي حذر عنها الأقدمين العارفين من مخاطر تستطير التاريخ ومثالب تسطيحه وذرائع تنصيصه.
لقد كانت هناك ثمة اسباب دعت إلى هجرة ثلة من التجار الكويتيين الى الهند في بداية القرن الثامن عشر دافعها الطموح و الجرأة في التوسع والانتشار والبحث عن الفرص الواعدة بعد ان تهيأ لها في بلدها الأمان الاستقرار و العدل وغياب التسلط وانخفاض الضريبة و الرسوم وانفتاح الأسواق وزيادة الطلب.
فلا يكفي القول بأن المرفأ الطبيعي قد منح الكويت دورا مميزا إلا انه كان في أرض لا نهر يرويها ولا مطر يسقيها صحراء لا يحتمل العيش فيها وهذا واقع ثابت ولكن السر يكمن في عبقرية اهلها الذين اختاروها بالرغم من المعوقات فأداروها بقدرة وبراعة فاقت جيرانهم فاستثمروا في حيوية انسانه ومثابرته التي أفاضت على المكان ما لم يتوافر إلى ما هو افضل منها ، فأصبحت مركز اكتيال وميرة تسد حاجة سكانه وتزيد لترفد متطلبات جيرانه، من هنا انطلق تجارها لاقتناص الفرص الأجدى والأسواق الأكبر فوجدوا في شبه القارة الهندية ضالتهم و غايتهم.
لقد كتب الرحالة الكثير عما ذكرنا ولكن ما يفي بالمطلوب هو التالي:
(الكويت اذن مدينة تجارية لا تقوم تجارتها أو تنمو بمن فيها فقط وإنما تفتح ابوابها وتجارتها لكل من حولها فلوا اتكلت الكويت على سكانها وعشائر باديتها لكانت تجارتها ربع ما هي. ولكن أهل نجد يفضلون المتاجرة مع الكويت على المتاجرة مع القطيف والبحرين وذلك لأنهما لا تحويان عدد التجار ذوو اليسار ويفضلون التاجر الكويتي على غيره حتى على البصرة والزبير) الريحاني ملوك العرب (ص ٦٦٨-٦٦٩ ج٢). من هذا الواقع انطلقت فئتين من هؤلاء التجار:
1-السفارين من طواويش اللؤلؤ و تجار الخيل و التمور بصورة عامة فهم يبيعون ما يجلبونه معهم ويتسوقون بعوائده لما يمكن بيعه عند عودتهم وتكون مدة اقامتهم موسمية وقصيرة.
2-المقيمين الدائمين المتخصصون من كبار تجار اللؤلؤ وتجار المواد الاستهلاكية من طعام أو كساء أو مواد بناء ومنهم من يتاجر شخصيا لمصلحتة وآخرون كوكلاء أو ممثلين لتجار في البلد الأم أو الموزعين وتجار السعي (القومسيون ).
ولكن ما يهمنا في بحثنا هذا هي المؤسسات العائلة او ما يطلق عليها بالبيوتات التجارية و اشهرهم مقايسة و نمط:
(بيت آل بن ابراهيم)
احد الأسر الكويتية العربية العريقة التي تنتمي ترجع أصولها لأرومة تميم أوفر القبائل عددًا وأوسعها بلدًا وأمنعها عدة حكام الحج وقضاة عكاظ قبل الإسلام التي يشير إليها أشهر بيت قالته العرب بالفخر: –
إذا غضبت عليك بني تميم حسبت الناس كلهم غضابا
ومن أحد بطونها الأربعة العريقة كما قيل بها شعرًا: –
يعد الناسبون إلى تميــم بيوت المجد أربعة كبارا
يعدون الرباب وأل سعد وعمرو وحنظلة الخيارا
بطن سعد بن زيد مناة بن تميم الذي افتخر شاعرهم بها: –
ليالي سعد في عكاظ وسوقها له كل شرق من عكاظ ومغرب
والذين عرفوا بكثرة عددهم كما وصفوا: –
يزيد بني سعد على عدد الحصى وأثقل من وزن الجبال حلومها
منازلهم منذ الأزل ما بين البصرة شمالًا إلى يبرين على تخوم الربع الخالي جنوباً،
ومن سواحل الخليج العربية شرقًا حتى اليمامة غرباً كقول الشاعر: –
ولو أن سعدًا أقبلت من بلادها لجاءت بيبرين الليالي زواحف
من رهط الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقري الذي بسط النبي (صلى الله عليه وسلم) رداءه قائلًا: اجلس إنك خير أهل الوبر.
أخذت الأسرة أسمها من الجد الأعلى ابراهيم بن ريمان العنقري لقبا عرفت به منذ القرن التاسع الهجري قبل الحكم السعودي الأول امراء ثرمداء والحريق في الوشم بنجد آنذاك. كما يثبته مشجر الأسرة الذي أعده البروفيسور مايكل كوك أستاذ التاريخ بجامعة برنستون الأمريكية في دراسته المعنونة (التوسع للدولة السعودية الأولى في – الوشم) بكتاب (العالم الإسلامي) من إصدار الجامعة نفسها عام 1991 ص 661 699 .
هاجر الجد الأعلى محمد بن ابراهيم وعائلته ومتعلقاتها، لأسباب سياسية وأسرية قاهرة، ولم يأت خال الوفاض حينما اختار الكويت وطنًا ومستقرًا وهي آنذاك في بداية تأسيسها ما بعد عام 1120 ه، فنقل إليها أمواله وألقابه باعتباره سليل امراء ثرمدا ومن ابناء عمومة حكام نجد قبل الحكم السعودي الأول.
اختار فبتني مساكنه لصيقًا لآل صباح على ربوة مرتفعة مطلة على البحر يطلق عليها بهيته، وهو ما عرف عليه لاحقًا فريج بن ابراهيم و كان موازيًا لفريج الشيوخ، قرب مسجد قديم ملحق بكوت بن عرير ليصبح مسجدًا حمل اسم العائلة على القاعدة المتبعة سابقًا لكل أسرة مسجدها ذلك حوالي عام 1158 هجري -1745 م. حيث كان بالكويت أربعة عشر مسجدًا حسب ما ذكره المؤرخ البغدادي عبدالرحمن بن عبدالله السويدي عندما استجار بالكويت هرباً من وباء الطاعون الذي أصاب بغداد والبصرة عام 1772 م. فوصفه بأنه يشبه مسجد القمرية ثاني أكبر مسجد في بغداد الذي بناه الخليفة المستنصر 626 ه – 1228 م. فإن كان مثل ذلك فإن كلفة بناءه غدت باهظة لا يمكن من توفيرها إلا لذوي المال والجاه. وليس كما ذكره صاحب التحفة النبهانية: “انه اطلع على حجة شرعية من قاضي الكويت (ولم يذكر اسمه) بأنه أذن ببيع دار بثلاثين قرش ( ما يعادل 10 ريالات فرنسية) وكانت قيمة القرش في ذلك الوقت ثلث ريال فرنسي (ثولر) ماريا تريزا النمساوي ” ولا يمكن بهذا المبلغ الضئيل أن يبنى مسجد يعادل ثاني مسجد في بغداد أيام الخلفاء.
ذلك ما أثبتته الشواهد الظرفية آنذاك. “كما فسرته رسالة الشيخ مبارك الصباح إلى الشيخ عبدالعزيز الابراهيم في شوال ١٣٢٥ هجري -اكتوبر ١٩٠٧ ميلادي. يقول فيها عن الشيخ يوسف: إذا يصير طاري يوسف في محظر رجال اكابر اقول مساويه معي يفسدها محسنات ابوه ومحسنات علي وابوه علي محمد مع جابر و صباح لكن جرى المقدر و حنا، انتوا لا و لا لنا منكم برائة”. اضافة الي ما سبق نورد تأيدا ما لحق، فندرج نسخ رسالة الشيخ جاسم ال ثاني الي الشيخ يوسف الابراهيم تأكد فيه ما جاء في الأولى. ولحسم الأمر نهائيا يستحسن الرجوع إلى دراسة مستفيضة محققة كتبها الناشر والكاتب يحيي الربيعان في جريدة القبس بتاريخ 24 ديسمبر 1999، بعنوان “أول مسجد في الكويت بناه بن ابراهيم”.
بعد تلك الحقبة دخلت الكويت أبان حاكمها الثاني الشيخ عبدلله بن صباح 1814 -1756 م، مرحلة متقدمة من الاستقرار والازدهار، أساسه همة أهلها ونشاطهم وجديتهم، حيث بات التركيز على استغلال الموقع البحري المميز الذي كان العامل الأبرز ومن ثم تطوير مهنة النقل البحري من خلال تكثيف خدماته مع البلدان المجاورة حتى غدت وسيلة فاعلة لا يستهان بها في مجال التجارة العابرة والتهيئ لمجابهة متطلبات ما تفرضه الظروف السياسية في بلدان الجوار. فقد استفادت الكويت فائدة جمة نتيجة تحويل مسارتفريغ البضائع اليها بعد الحصار والاحتلال الفارسي للبصرة الذي دام من ١٧٧٥-١٧٧٩ميلادي و انتقال وكالة شركة الهند الشرقية ثم لحقها بريد الهند إلى الكويت عام ١٧٩٣ ميلادي.
ما ان حل عام ١٨٠٠ميلادي حتي اضطربت الأحوال السياسية في القطيف والأحساء أثر احتلال قوات محمد علي باشا. مما دعى الاستعانة بأستأجار مائتين سفينة كويتية لنقل المعدات والمؤن لتلك الحملة. وأمام هذه المتغيرات حرصت الكويت علي دعم كيانها بقوة بحرية رادعة التي سبق أن صمدت أمام النفوذ الوهابي بعد اندحار حكم بني خالد في الإحساء في نهاية القرن الثامن عشر. فغدى لها اسطول بحري و قوه برية قوامها ٥٠٠٠ الي ٧٠٠٠ مقاتل. فمن الطبيعي تلك المتغيرات أن تهاجر لها طبقة غنية من تجار البصرة للاحتماء بها اسوة بشركة الهند الشرقية الانكليزية.
كل تلك التحولات قد صبت في تعزيز وأدت لانتعاش النشاط التجاري. وبعثت الثقة في تنميته فأحسنت توجيهه ، مما دفع إلى تسارع خطى استثمارات تجارها في بناء وامتلاك السفن الكبيرة لتسد تلك الحاجة حتى تمكنه إلى الوصول إلى سواحل الهند مباشرة دون التوقف في موانئ الخليج الجنوبية توفيرًا للوقت ولرسوم الرسو، فغدى الأسطول الكويتي قوة تجارية وحربية لم يستطع أعدائه التفوق عليها وإخضاعها كما حصل في معركة الرقة ١٧٨٢ قبل ذلك.
وفي نفس الوقت باتت الكويت ملاذًا لزعماء وأعيان بلدان مجاورة وهروب كبار موظفيها من تسلط حكامهم. صبت هذه متغيرات في نشاطات النقل البحري وتوسع تطوره من نطاق محدود بين موانئ الخليج أو ما يطلق عليها ب (القطاعة) الانطلاق في مياه بحر العرب و المحيط الهندي إلى خارجه او ما يسمي (السفر) ليبلغ موانئ سواحل الهند الغربية وأهمها ميناء سورت في سلطنة قوجرات آنذاك، وسوقها الأكبر في كل المجالات ومنها تجارة اللؤلؤ، ( وسوف نأتي إلى ذلك بتفصيل لاحقًا).
يظهر مما سبق مدى التطور السريع الذي مرت به البلاد مما أهلها بلوغ مكانة مرموقة تجاريا مقارنه بالبلاد المجاورة حيث حققت من خلال ذلك بروز ثراء طبقة برجوازية لعبت دورًا سياسيًا واجتماعيًا معتبرين فمولت مشاريع خدمية ونهضت بجهود فردية وأمتد طموح استثماراتها خارج البلاد بقدر ما تسمح فيه الظروف وأن أدت إلى الإقامة الطويلة في بلدان أجنبية بعيدة كالهند. لنرى ما وصل إليه المستشرق الروسي كوتلوف في ذلك عبر “تكون حركة التحرر الوطني في المشرق العربي” القرن الثامن عشر ترجمة سعيد أحمد منشورات -: وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق 1981 ص 175 “جاء تكون الطبقة البرجوازية في الولايات العربية من الإمبراطورية العثمانية في ظروف معقدة للسيطرة الاقتصادية من قبل الاحتكارات الأجنبية والتسلط التركي فاتجه رأس المال الوطني الذي كانت امكانيات المشاريع الصناعية الواسعة مغلقة أمامه بشكل رئيسي إلى مجال التجارة وامتلاك الأراضي ويعتبر من كبار ملاك الأراضي التاجر والصيرفي سرسق في بيروت إلى امتلاك اقطاعيات ضخمة في فلسطين. وكانت عائلة الابراهيم صاحبة أكبر البيوتات التجارية بالكويت وتملك أسطول كبيرًا من السفن الشراعية الكبيرة مع الهند إلى شراء بساتين نخيل واسعة على ضفاف شط العرب”.
من هذا التنظير الأكاديمي نأتي إلى الواقع الميداني الشخصاني، حينما تولى الجيل الأول للأسرة زمام العمل ومسؤليته في نهاية القرن الثامن عشر، بمسار مختلف يساعد على تنمية الثروة وحمايتها بتوزيعها في مجالات مختلفة وأقطار متعددة لتقليل المخاطر وتنويع المصادر والانتقال من مرحلة الاستيراد عبر وسطاء إلى التبضع المباشر من نفس المصادر واستغلال أفضل إلى ما تملكه العائلة من سفن شراعية بتشغيلها كلها أو جزء منها لحسابهم لنقل بضائعهم ومن ثم تأمين نسب أعلى لإشغالها. وبما أن المصدر الأكبر للإستيراد لسد الاستهلاك المحلي أو اعادة التصدير (ترانسيت) هي أسواق الهند، وبالعكس فإن المادة الأكثر تصديرًا من المنطقة إلى تلك الأسواق هي تمور البصرة فأصبح لزامًا العمل على تأسيس موطئ قدم لرفد الاستثمار في كلاهما. فتقاسم الجيل الأول المتمثل بالأبناء الأربعة الأدوار. حيث ابتدأ الأكبر عبدالله بن محمد (1755-1815) في تجربة الاستثمار بمجال زراعة النخيل منذ 28 فبراير 1813 م – 7 ربيع الأول 1229 هجري أواخر حكم حاكم الكويت الثاني عبدالله بن صباح حينما قام باستئجار وتطويرانتاج بساتين نخيل تعود إلى ورثة متسلم البصرة عبدالله أغا
1209 ه -1228 ه (صورة ضوئية للوثيقة على موقع آل آبراهيم الإلكتروني).
فكانت خطوة رائدة كونه أول الكويتيين الذين دخلوا هذا المجال، وتبعه آخرين بعد ذلك بعد عقد ونصف منهم (صقر بن محمد الغانم ومحمد بن شعيب 13 جمادي أول 1245 ه – 10 أغسطس 1829 م (راجع وثائق آل صقر) إبان حكم جابر بن عبدالله الحاكم الثالث. أما الابن الثاني عيسى بن محمد (1760-1839) فكانت خطوته أبعد مسافة وأكثر خطورة وأشد جسارة. حيث شد الركب إلى بلاد الهند وعاصمتها التجارية وميناءها الأهم إبان حكم أباطرة الهند المغول في عهد أكبر الثاني (1806 -1837 م). كما ذكرنا سابقا.
أضف إلى تلك أهوال ومخاطر الملاحة وسوء الأحوال الجوية في المحيط الهندي وتبيان تلك المخاطر الجمة التي دفعت الكويت ثمنًا كبيرًا لبشاعتها حيث كانت هدفا للقرصنة حينما اعتدى رحمة بن جابر على سفينة كويتية وقتل بحارتها بوحشية غير مسبوقة ومن ضمنهم دعيج ابن حاكم الكويت عبدالله بن صباح عام 1809 م ولم تتوقف تلك الأعمال الإجرامية حتى بعد انتحار رحمة عام 1826 م، وفي اشاره تلقي الضوء عن أحداث تلك الفترة، ما يذكره يوسف بن عيسى القناعي في كتابة المقتطفات ص 89 تحت عنوان “من التاريخ”: أنه وقع على رسالة مؤرخة بداية عام 1226 ه -1811 م مفادها أن البحر ليس بأمين حول مضيق هرمز من اعمال القرصنة “وأن رحمة بن جابر طلع من خوير حسان وصار بالقطيف وحال التاريخ هو محصور. كما جاء في تلك الرسالة ما يفيد بحثنا ويثريه: “بأن اللؤلؤ في ذلك التاريخ يباع في سورت”.
فتوارد اسم ذلك الميناء يوطن الاعتقاد بأن العلاقة بين الهند والعرب وتحديدا من خلال التجار الكويتيين فقط قد ترسخت في جعلها مقصدًا تجاريًا بارزًا لا يستهان به على الرغم من عدم وجود تجار أو كسبة هنود في الكويت كما هو الحال في جميع أقطار الخليج عبر تاريخها حتى إفتتاح المعتمدية البريطانية عام 1904 م.
قد يكون اسم سورت وبداية اتصال التجار الكويتيين بالهند طريق غير مطروق لما كما يمكن ان يتداول حتى غدت جذاذات أمشاج، وأنصب التركيز على وجهة أخرى هي بومبي لاحقا و التي جاءت شهرتها متأخرة بما يقارب قرن من الزمن. لذا وجب علينا التعريف بالأولى:-
ميناء سورت او بندرها هو موقع جاء ذكره في أساطير الهند القديمة كالمهابراتا والراميانا، في شمال شرق الهند بولاية كوجرات التي تقبع سواحلها على بحر العرب و بنيت المدينة على الضفة الجنوبية لنهر تبتي (TAPTI) وتبعد عن مصبه في بحر العرب قرابة 10 أميال. وكانت تلك النواحي قد وقعت تحت التأثير الإسلامي بعد الفتح العربي لها في القرن الثامن الميلادي وزاد في القرن الحادي عشر ثم تمركز ليصبح ميناء الهند الرئيسي عام 1605 ميلادي أبان حكم الإمبراطور أكبر 1556-1605 وأطلق عليها مسمى “باب مكة” و “بندر مبارك” حيث من خلاله يقصد الحجاج المسلمون مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. التي تغادر مينائها ما يصل إلى أربعة عشر سفينة كل عام إلى جدة وسفن الحجاج أكبر سعة من سفن التجارية عادة، يملكها ملوك وأمراء الهند المسلمين فقط وتبنى تلك السفن على غرار تصميم السفن العربية، كما عرف أن حكام كوجرات المسلمين موالاتهم للعرب بحكم مصاهرتهم واختلاطهم فكان للعرب شأن و معاملة خاصة أدت لانشاء مرفأ خاص بسفنهم حينما بلغ نشاط تجارة العرب قمته في الفترة بين ١٨٠٢ – ١٨١٨ ميلادي، حيث كانت السفن العربية القاصدة لها اكثر تعدادا من السفن الإنجليزية واستمرت تلك الحال حتى عام 1832. ثم بدأ التجار الأوربيون يتهافتون على منتجات منسوجات قوجرات الشهيرة في مشاغلها بمدن أحمد أباد وبرانبور وبارودا، اللواتي يقطنها النساجون ومعظمهم من المسلمين لتشحن من سورت تلك الملابس المقصبة من المخمل الفاخر بخيوط الذهب والفضة التي يطلق عليها بروكيد بالإنجليزية (BROCADE) بالإضافة إلى صبغة النيلة (نيلج سورت). وكانت بعض تلك بضائع تنقل إلى البصرة بسفن كويتية ومنها إلى بغداد وحلب وإسطنبول التي تشكل مجموعها أسواقاً ضخمة ثم تعود تلك السفن إلى الهند محملة بالتمور ولؤلؤ الخليج والخيول العربية تحديدًا وهو ما فاضت به مراسلات شركة الهند الشرقية في البصرة.
امام هذا الاتصال و الازدهار لابد لنا من وصف “بندر سورت” للفترة التي وطئها أوائل التجار الكويتيين كما اوضحها أحد زوارها الهنود المنشئ (الكاتب) لطف لله الذي حل بها في العقد الثاني من القرن التاسع عشر: “أنها الميناء الأكبر في الهند والعاصمة التجارية للبلاد يحيطها سور من الآجر محيطه 6 أميال وله 12 بوابة (دروازة) وارتفاعه بين 13 و18 قدم ويسكنها مائة وعشرين ألف نسمة معظمهم من المسلمين كما هو حكامها وتجارها من أهل البلاد وأجانب من فرس وأتراك وعرب معظمهم له علاقة بالسفن. وبالمقارنة يصف المنشي لطف لله بومبي التي زارها في منتصف مارس 1822، وأقام فيها أربعة أيام قادمًا من سورت لم يجد فيها مكاناً للسكن مما أضطره إلى المبيت والإقامة طيلة المدة في مسجد طيلة المدة وأطلق عليها وصف “بلدة بومبي القذرة”. التي لم تبرز أهميتها و شهرتها إلا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 م وانتقال مركز شركة الهند الشرقية البريطانية ومعها مجموعة من كبار تجار سورت من الفرس الزرادشت (بارسي) وتجار اللؤلؤ الهنود (البانيان) وبعد أن كثرت البواخر الحديثة القدوم من أوروبا وزادت أحجام حمولتها التي يتحملها ميناء بومبي البحري ولا يستوعبها ميناء سورت التي تقع على نهر لا يسمح عمقه بدخولها”.
نرجع بعد ذلك الاستطراد الي سالف ما طرحناه:- توفى عبدالله بن محمد حوالي عام 1815 م. وبعد وفاته أطلق اخوه عيسى بن محمد على ابنه اسم عمه عبد الله تيمنا واعجاباً فكان مولده في سنة وفاة العم بعد 25 سنة ثم توفى عيسى حوالي عام 1839م – 1255 ه في سورت. ومن المؤسف أن تلك الفترة لم تغطيها كتابات المؤرخين المحليين وقد مضى عليها حينا من الدهر فضاعت معالمها وأفلت مشاهدها ولم بقى منها سوى ذكر طيب لكنه خَلَفَ حلق باسمهم عاليًا. ولكن يعرف عن عيسى أنه أسس وبنى مسجد العدساني 1197 ه -1781 م ومسجد ياسين 1250 ه – 1834 م. (راجع كتاب تاريخ المساجد في الكويت- الرومي) أما الشقيق الثالث فهو علي بن محمد 1883 م فقد كان متوليًا أمور تجارة الأسرة العامة في الكويت والتركيز على المتاجرة في البضائع الاستهلاكية. حين ساهمت تلك الموجودات في حماية البلاد من المجاعة التي اصابتها أو ما أطلق عليها سنوات الهيلك 1285 ه – 1868 م وقبلها سنة الطبعة 1288 ه – 1871 م. (ونستعين هنا بما ذكره القناعي في كتابه صفحات من تاريخ الكويت) عن البيوتات التي ساهمت بانقاذ البلاد و كان اولهم ال ابراهيم. كما تقاسم الضريبة التي فرضتها الدولة العثمانية لتسليح الفيلق السادس الذي سيق للحرب الروسية (امدادي سفري) عام 1878 م أبان حكم السلطان عبدالعزيز والأسكندر الثاني قيصر روسيا. والتي سلمها الشيخ عبدلله بن صباح حاكم الكويت الخامس (١٨٦٥-١٨٩١ ميلادي) ومقدارها أربعة آلاف ليرة مناصفة مع يوسف البدر (راجع كتاب بيت البدر). كما يذكر مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد بأن حاكم الكويت الثالث قد اعفى علي بن محمد من الرسوم على بضائعة كافة (راجع تاريخ الكويت)ص 124 بعنوان جابر لا ينكر معروف أهل بلده ويعزي إلى علي أيضًا بأنه أول كويتي قام بطباعة كتاب على نفقته في مطبعة بولاق بالقاهرة عام 1871 (راجع من هنا بدأت الكويت) ص 62 لقد نال على حقه من التاريخ فأمد الله عمرا طويلا.
أما عبدالوهاب فكان نشاطه مختصراً على النشاط البحري امتلاك عدد كبير من السفن الشراعية فتصدر المركز المتقدم لملاكها حسب ما ذكره القناعي كما أنه في سنة الطبعة 1288 ه – 1871 م قد فقد أكبر عدد منها ابتلت البلاد أكبر الكوارث الاقتصادية حينها انذاك. عندما أصابتها خمسة أعاصير كبرى ضربت جهات من بحر العرب خلال تلك السنة بمثلث امتد من سيلان حتى القرن الأفريقي (الصومال حاليًا) وشمالًا من سواحل الهند الشمالية ومدخل الخليج تعتبر تلك من اعنف الأعاصير في سجلات تاريخ الانواء الجوية العالمية (راجع تقارير الانواء الجوية في الهند ١٨٧٦-١٨٨١ م ) وقد توفى عبدالوهاب عام 1299 هجري – 1882 م. وبعده بسنة واحدة 1300 ه – 1883 م توفي أخوه علي الذي رثاه شاعر الكويت آنذاك عبدلله الفرج بقصيدة مطلعها:-
نحن بنوا الموتى نعد فما لنا عند المصاب بروعنا المفقوُد
ويخاطب أبناءه محمد وعبدالعزيز
ابني علي ما وجدنا صبركم إلا كصبر ما عليه مزيُد
من مات فات ولم يمت من ذكره تحييه أبناء له وتشيُد
ويختمها ببيت علق عليه مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد بقوله ويعزي بطل هذا البيت ومقدامه رحمة لله:
ولئن بهم تلك الديار تباعدت عنا ففينا (يوسف) موجوُد
وبعد ترجل ذلك الرعيل الرائد الذي أرسى دعائم الثروة ليستلمها أبناءهم من الجيل الثاني الذين نالوها كابر عن كابر وقادم من سابق ليحلقوا بها ثروة وشهرة وعلى رأسهم عبدالله بن عيسى (1231 ه – 1815 م) الذي كرس اهتمامه بتنمية الاستثمار الزراعي فكان الأنشط في شراء بساتين النخيل في ولاية البصرة العثمانية قبل تعميم نظام تسجيل الأراضي الزراعية في دوائر التسجيل العقاري (الطابو) التي كانت في بدايات عهده تفتقر إلى الجهاز الفني لتحديد الأملاك ومسح حدودها، فقد منحت آنذاك سندات تختصر الحدود فتكتب من الجاري ( النهر ) إلى الذاري (أطراف الصحراء ) التي بلغت قمتها بحيازته على مقاطعة الدورة كاملةً عام 1856 م فقام بتعميرها لتصبح اغلى و اشهر بساتين النخيل في تلك الحقبة مما اثار بوادر الحسد و الغيرة بالبعض. فأصبحت العائلة خلال حياته من أكبر ملاك النخيل في ولاية البصرة حين بلغت ملكيتها لاحقا ما يقارب سبعة آلاف جريب من النخل (الجريب = مائة نخلة= مساحته 3967 متر مربع) في أواخر حكم جابر بن عبدلله الحاكم الثالث واستمر خلال حكم صباح بن جابر الحاكم الرابع. وكان يساعده في إدارة تلك الملكيات الضخمة ابن عمه أحمد بن علي الذي استحصل حكمًا من مدحت باشا وبغداد لإيقاف تعديات ناصر باشا السعدون على أملاك الأسرة عام 1871. وقد كتب قاضي البصرة أحمد نور الأنصاري تقريره “النصرة في أخبار البصرة”. جرد ملكيات النخيل الكبرى في البصرة حينما ذكر عبدالله بن عيسى في ثلاث مواقع وأطلق عليه “التاجر الكويتي الثقة”. وإضافة إلى نشاطه الاقتصادي فقد لعب دورًا سياسيًا هامًا إبان محاولة نامق باشا عام 1866 م بضم الكويت إداريًا في ولاية البصرة العثمانية وكان عبدالله على رأس من تصدوا لهذه الخطة فتم قبرها في مهدها كما أثبتته الوثائق البريطانية (راجع W.P Johnstone, Foriegn Consultation, New Delhi, August 1866)
كان استثمار الفوائض المالية وتوزيعها ذا مردود طائل لتأمين الأمن الغذائي للكويت اذ لم يعرف عنها حاجتها لغير أهلها طيلة تاريخها وكما فعل تشغيل الأسطول البحري التجاري لنقل إنتاج بساتين النخيل من التمور لسد حاجة الطلب بلدان الخليج وجنوب الجزيرة والهند وأفريقيا. كما يذكر فيتال كنيه في تقريره المعنون “تركيا الأسوية” الصادر في باريس عام 1894 م عن الكويت وما احتواه في هذا الخصوص عن إيجاد فرص العمل للمواطنين، فقال: “أن معظم السكان يعملون في موسم اقتطاف أثمار النخيل في بساتين النخيل خارج الكويت في ولاية البصرة”. ولم ينسي وازعه الديني إزاء على صعيد عمل الخير وإشادة بيوت لله ويذكر لعبدالله بن عيسى التجديد الثاني لمسجدهم 1858 م – 1275 ه، كما بنى مسجدًا كبيرًا في أملاكهم بالدورة 1867 م-1284 ه لا يزال قائما والحقت به مدرسة خاصة درس فيها بعض أبناء العائلة وأقاربهم وأصدقائهم وأقاربهم من عوائل الكويت كالمرزوق والجوعان و الخشتي والغرير والعسعوسي والحنيان واللوغاني وبوعركي وغيرهم وكان من دّرس فيها في بداية القرن المنصرم حافظ وهبة (ملا حافظ) مستشار الملك عبد العزيز لاحقا (راجع كتاب جزيرة العرب في خمسين سنة) ومحمد تقي الهلالي راجع كتاب (الدعوة إلى لله).
وفي السنوات الأخيرة من حياته الحافلة بجليل الاعمال اشترى بيتًا وجاور قرب بيت الله الحرام في مكة الذي اطلق عليه أهلها يطلقون عليه مسمي (حوش الكويتيين) موقعه في طريق السيل قرب حراج الخرده، فتوفى هناك في 25 جماد أول 1292 ه – 1875 م (وأنجب الابن الوحيد يوسف في الكويت عام 1842 م) وهو تلك الشخصية المشهورة في أحداث تاريخ الكويت وما جاورها 1896 م – 1906 (وللمزيد عن دوره يراجع كتاب المستودع والمستحضر المتوفر على عدة مواقع الإلكترونية ومنها موقع آل ابراهيم وتاريخ الكويت) ويعزي إلى يوسف نفوذه في إقناع شركة بواخر الهند البريطانية الدخول إلى مياه الكويت والرسو في مينائها عام 1868 طريقها إلى البصرة وهي الباخرة بينانج (PENANG) التي ذكرها في كتابه مع النجم و القمر ( WITH STAR AND CRESCENT ) للرحالة الأمريكي لوخر الذي قام بترجمة جزء منه عبدلله ناصر الصانع 1958 م.
- بيت الشيخ عبدالله بن عيسي بمكة المكرمة المسمي (حوش الكويتيين) بقى بحوزة ولده الشيخ يوسف الذي زاره فيه امير المحمل المصري الشريف اللواء إبراهيم رفعت باشا ذكره في كتابه (مرآه الحرمين) حينما قابلة آنذاك راجع الكتاب تحت عنوان حجة ١٣٢٠ هجري ص١١٣ الجزء الثاني. كما نشر صورة عبدالرحمن الابراهيم تحت تسلسل ٢٥١.
…………………………
إن من الصعوبة حصر إبعاد وغمار سيرة هذه الشخصية الفذة التي قال عنها مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد “مثل الشيخ يوسف آل ابراهيم روايات لا تقل في غرابتها عن كثير من الروايات التي تذكرنا بأولئك الأبطال الذين يقومون بجلائل الأعمال والناس في غفلة عما يعملون “تاريخ الكويت ص 148 ويقول عنه يوسف بن عيسى القناعي في صفحات من تاريخ الكويت ص 29: ” من بيت رفيع بالكويت وكان ذلك البيت أثرى بيت فيها وقد حصل ليوسف من العز والإقبال ما لم ينله أحد قبله منذ تأسست الكويت”. ومثله الريحاني في تاريخ نجد الحديث: كان يوسف آل ابراهيم ثروة ودولة” ص 116. وذكره آخرين بنفس الصورة ومنهم فؤاد حمزة وسيف الشملان وراشد الفرحان. وليس من الغريب أن يبرز اسمه في مذكرات السلطان عبدالحميد السياسية باللغة التركية ص 136 ” الكويتي الثري الداهية يوسف ابراهيم”. وهذا غيض من فيض ناهيك عن سجلات الارشيف العثماني والأرشيف البريطاني التي فاضت بذكره ومن كتب عن المنطقة عن تلك الفترة لا يمكن حصرهم أو عددهم
أما في الهند فقد تولى إدارة أعمال العائلة أبناء علي بن محمد وهما الأوسط محمد والأصغر عبدالعزيز حيث أصبح سوق اللؤلؤ هو الأوسع والأكثر رواجًا فتركز نشاط أعمالهما إلى تلك التجارة، التي صادفت تلك الفترة الانتقال التدريجي لتجارة اللؤلؤ إلى بومبي بعد افتتاح قناة السويس 1869 التي اختصرت مسافة الرحلات إلى أوروبا وعززت من انتعاش تجارة اللؤلؤ فيها كما انتقلت أعمال العائلة إليها ولكنهم ابقوا بيت سورت كمنتجع. فكانت نقلة ناجحة بلغت نتائجها نماء ثروة العائلة لدرجة غير مسبوقة وأصبحت اللاعب الأكبر للؤلؤة الخليج في الهند وخصوصًا في بومبي كما يذكر كبار تجار اللؤلؤ الأجانب حينما بلغ تعاملهم المصرفي مع عشرة بنوك محلية وعالمية في نهاية القرن التاسع عشر.
وبعد وفاة محمد بن علي عام 1899 أصبح عبدالعزيز بن علي على رأس العمل يساعده ابن أخوه جاسم بن محمد وابنه عبدالرحمن بن عبدالعزيز.
لم تنسى الأسرة وطنها ولا جذورها في الكويت مشاركتها في السراء حيث أصبح معظم لؤلؤ تجار الكويت يباع بواسطتها ويسري ذلك على معظم تجار اللؤلؤ و الطواويش في الخليج. كما أنها لم تتخلى في الضراء عن أوطانها وأهلها كلما دعت الحاجة خلافا للمقولة “يختفي المال عند المواقف الصعبة” وكما يؤيد البعض مثل هذا المبدأ، ولكنه ليس ما يؤمن به رجال هذه الأسرة كما أظهرتها في مواقف عبدالعزيز بن علي حسب ما جاء بالمصادر البريطانية في تقرير كتبه المقيم السياسي في الخليج للفترة 24 مارس إلى 20 أبريل 1910 حول الوضع المتأزم بعد معركة هدية وهجرة تجار اللؤلؤ ونقص المواد الاستهلاكية المهمة فيها بالحرف الواحد “تم عرض رسالة وصلت للشيخ مبارك من الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم تاجر اللؤلؤ الكويتي الشهير من بومباي لجميع التجار جاء فيها أنه ارسل ثلاثة آلاف كيس رز للشيخ مبارك لإعانته في الحملة وهدايا عبارة عن عربة ذات محرك وسيارة نقل وأضاف بأن حساباته البنكية مفتوحة للشيخ مبارك ليسحب منه ما شاء أن تقتضيه حاجته في تلك الظروف”.
وتبعها تقرير لاحق عن الفترة من 21 أبريل حتى 25 مايو 1910 يشير فيها عن وصول العربة وثلاثة آلاف كيس رز التي وعد بها بن ابراهيم على الباخرتين من بومبي على التوالي. “BULIMBA و”بوليمبا “MADURA “مادورا وتشاء إرادة الباري عز وجل أن تختاره إلى جواره، حيث يذكر عبدلله بن محمد العبدالاله القناعي في تدويناته: “في 25 ربيع آخر 1328 يوم الخميس جانا خبر إلى الكويت تلغراف من مبنى (بومبي) الشيخ مبارك عن وفاة الشيخ عبدالعزيز بن علي البراهيم وصلوا عليه بعد صلاة الجمعة بالمساجد من أمر مبارك الصباح الله يرحمه ويعفي عنه”.
وكانت هذه الالتفاتة غير مسبوقة في تاريخ الكويت تدل على التقدير والاخلاص فجاءت وفاء بوفاء سواء بسواء.
تبع ذلك نبأ في التقارير البريطانية في 5 مايو 1910 عن وفاة عبدالعزيز بن ابراهيم ولكن التوثيق الأدق عن تاريخ الوفاة هو ما جاء في كتاب (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق) لعبدلله بن محمد البسام وفي سنة 1328 ه يوم الخميس ٢٥ ربيع اخر توفى الشيخ عبدالعزيز بن علي بن محمد بن ابراهيم وكان وفاته في سورت من بلاد الهند وقد قلت فيه أبيات بعد وفاته بيت التاريخ منها:-
وقد قلت في هذا مؤرخًا لعبد العزيز الفوز مذ حم نقله
وبعد وفاته انتقلت المسؤولية إلى جاسم بن محمد يساعده ابن عمه عبدالرحمن بن عبدالعزيز. وكانت أوجها فترة ذهبية وامتدادًا لنجاح ما سبقهم في بداية القرن العشرين والعقد الأول منه حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. حين اطلق عليهم الجواهرجي الفرنسي المشهور جاك كارتيه لقب ملوك اللؤلؤ (راجع كتاب كاريتية المجوهراتي الغير عادي) وكانوا حسب وصفه: “أن نصيبهم في تجارة اللؤلؤ بالهند هي حصة الأسد”.
رفارف الخير لجاسم آل إبراهيم “قناص كل مكرمة” في الصحف العربية
زيارة جاسم آل إبراهيم إلى الكويت
كتُب عن جاسم بن محمد و عبدالرحمن بن عبدالعزيز الكثير. ولكن لابد لنا من تسجيل بعض الأحداث التي خصصت رموز هذا البيت دون سواهم في هذا الوطن وعبر تاريخه (للتفاصيل راجع مقال ترحييب غير مسبوق عن زيارة جاسم الابراهيم الي الكويت – جريدة القبس). فنذكر مثلًا تدوين آخر لعبد لله القناعي وهو من المعاصرين لأحداث قلما عرف عنها يصف فيه زيارة جاسم بن محمد للكويت. “وصل الشيخ جاسم بن الشيخ محمد بن ابراهيم إلى الكويت من بمبي في مركب الشيخ مبارك (الذي) نزل فيه من (البوية)*. وصل ليلة الجمعة الساعة الثالثة من الليل موافق 19 صفر 1332 ه- 1913 م. نزل عند الشيخ مبارك وفي إقبالته (حينما أقبل) رموا له أربعة أطواب (اطلاقات مدفع). وهذا أول وصوله الكويت بعد خروجهم منها سابق. رحت أسلم عليه بعد
صلاة الجمعة وفي حال السلام بارك لي في الرتبة التي حصلت عليها من الدولة القيصرية، قبل أن أخذ خبر من القناصل الذين عندنا. وسافر من الكويت في مركب الشيخ مبارك لمواجهة خزعل المرداو وذلك يوم الجمعة الموافق 27 من صفر الساعة التاسعة والنصف بصحبة جابر المبارك والطواويش صحبته السلامة بالسفر والإقامة.
ما نقلته جريدتي الدستور البصرية و المنار القاهرية عن جاسم و عبدالرحمن
وهذا مقال آخر كتبه سليمان العدساني في جريدة الدستور البصرية بتاريخ 28 شعبان 1331 ه- 17 يونيو 1911 عن الجمعية الخيرية في الكويت ويطلب من جاسم بن محمد وعبدالرحمن بن عبدالعزيز المساعدة المالية يقول فيه:- “وأننا لا نزال نؤمل من حضرتي المحسنين الكبيرين الشيخ قاسم والشيخ عبدالرحمن أن ينفحونا بنفحة من اكفهم السمحاء التي قل ما حرم منها مشروع من المشاريع الخيرية، لكي نستطيع أن نقوم بما قررته من ارسال بعض الشبان إلى البلاد العربية الراقية لتلقي العلوم هناك وإنهما خير من يرجى لأمثال هذا الجمعية العربية والله الموفق والمعين. سليمان العدساني.
ومن الجدير بالإضافة نشر ما كتبه عبدالعزيز العتيقي الذي كان آنذاك طالب يدرس في كلية دار الدعوة والإرشاد بالقاهرة نشرتها جريدة الدستور البصرية في عددها الصادر 9 صفر 1331 ه 4 يناير 1910 م والكلية التي تبرع باشادتها بكرم جاسم بن محمد الابراهيم كما يذكر تفاصيلها صاحب مجلة المنار القاهرية المصلح الإجتماعي محمد رشيد رضا في عدة مقالات نشرها تباعا. والمقال طويل احتل الصفحة الأولى بكاملها وزاد عليها حقل في الصفحة التالية، وملخصه: أن مبنى الكلية يبعد عن وسط القاهرة نصف ساحة بواسطة الترام ويقع المبنى على فرع كبير للنيل وهو مبنى من الرخام الصافي تحيط به البساتين على جهاته الثلاثة والرابعة مواجهة للنيل. ويتكلم بالتفصيل على مناهج الدراسة وهي حفظ القرآن والتجويد والفقه والنحو والتفسير واللغة العربية واللغة الإنكليزية والتاريخ والصحة والخط والكتابة. أوقات الدراسة تبدأ بصلاة الفجر وتستمر إلى ما بعد العصر تتخللها الوجبات وتؤدي صلاة الظهر والمغرب ويأمها أحد المدرسين أما صلاة العصر فيؤمها مدير الكلية تقام صلاة الجمعة في مسجد عمر بن العاص لقربه من الكلية وتطفىء الأنوار في التاسعة مساءًا للخلود إلى النوم. ومن الجدير بالإشارة إليه ، أن هذا الصرح العلمي قد أقيم قبل إنشاء الجامعة المصرية عام 1925 ( الملك فؤاد لاحقا ثم جامعة القاهرة حاليا ) كان من بعض خريجيها من الشخصيات المشهورة أمين الحسيني مفتى فلسطين ويوسف ياسين مستشار الملك عبد العزيز ووزير خارجيته والشيخ عبد الرازق الطاهر إمام الحرم المكي الشريف.
المراكب العربية المحدودة في التقارير الفرنسية الانفتاح على مواكبة التقدم
لم يكن أثر تأسيس شركة المراكب العربية يمر دون إهتمام الدوائر السياسية البريطانية المتولية لإدارة حكم الهند وشؤونه ، بل تعداها إلى قوة سياسية عالمية منافسة اخرى لها مصالحها في ما يحدث بالهند وتخومها وهي فرنسا التي توالت التقارير المرسلة من ممثليها عبر القسم الشرقي لإدارة الشؤون السياسية والتجارية في القنصلية الفرنسية ببومبي ، والتي وجهت مباشرة إلى وزير الخارجية في باريس على فترتي ما بين بداية عام 1911 حتى ابريل ، حينما تولى الوزارة جان كوربي في حكومة أرنست موينز ثم إلى خلفه جستن دي سليفيس في حكومة جوزيف كابو في يونيو 1911 ، إضافة إلى تقارير القنصل الفرنسي في مسقط عن نشاط الشركة في الخليج والبحر الأحمر والملائة المالية لمؤسيسها جاسم وعبد الرحمن الإبراهيم ( للمزيد تراجع وثائق الأرشيف الفرنسي – باريس ) وبالمناسبة أن أول آلة طابعة وصلت الخليج كانت إلى وكالة الشركة في البحرين التي كان يديرها يوسف كانو (راجع كتاب بيت كانو 1999 ) كما لم تغفل هذه الأنباء الصحافة العربية حيث تناقلت أخبار وإعلانات شركة المراكب العربية في كل من البصرة وبغداد وجده ( راجع اعداد جريدة الدستور البصرية وصدى العراق البغدادية والقبلة في مكة وكتاب من الشراع الي البخار).
لم تكن الأسرة من خلال هذا السعي الحثيث منغلقة لما يحدث في العالم من تقدم تقني وعلمي نتيجة ثقافة افرادها وانفتاحهم بالإختلاط والسفر إلى أوربا من اقتناء ما توصلت إليه من اختراعات حديثة ومنها السيارات وينقل صالح الشايع عن عبد لله الفوزان أن من أوائل السيارات التي وصلت بومبي قد اقتناها آل ابراهيم كما أن أول سيارة رولز رويس لعربي كانت إلى يعقوب بن يوسف الإبراهيم ( راجع كتاب رولز رويس – جون فاسيل لندن 1994 كذلك سجلات تاريخ مالكي سيارات روزرويس ) وكما هو معروف أن هدية السيارة منيرفا إلى الشيخ مبارك عام 1910 هي منهم ويذكر محمد رشيد رضا الذي زار الهند بدعوة من جاسم آل إبراهيم بان سيارة كهربائية وضعت تحت تصرفي حينما كنت بضيافته في بومبي ( راجع مجلة المنار القاهرية ) وبالإضافة إلى ما ذكر من مراجع يراجع الأرشيف الهندي – دلهي (NATIONAL ARCHIVES OF INDIA) وكما مر بنا حيث ينسب إلى جاسم بن محمد آل إبراهيم اهتمام بالعلم فقد تبرع مع عبدالرحمن بن عبد العزيز آل إبراهيم الجزء الأكبر في مشروع إنشاء المباركية ما ساهم في التبرع إلى المدرسة الخليفية في البحرين ( 1919 ) ناهيك عن ما مر بنا من تأسيس دار الأرشاد بالقاهرة وتعليم أبناء وبنات الجالية العربية في بومبي بإستقدام المطوعة حصة الحنيف ( ام عبد الملك الصالح من أوائل المعلمين في الكويت ) .
ما مر بنا يجبر على إلقاء نظرة عامة سريعة موجزة حول ما كان سائداً ومتعارف عليه من أمور التعامل التجاري يجعلها مكيفة إزاء مواكبة عجلة التطور مساهمة الأسرة فتح كوة هبت من خلالها رياح التطور شيئاً فشيئاً منها التعامل مع المصارف والسفر على البواخر واقتناء وسائل النقل الحديثة وتشجيع التعليم المتطور فأتاحت فرص التدريب لذوي الكفاءات من أبناء البلاد بقدر ما تسمح الظروف واستقطبت واستضافت أصحاب المؤهلات من العرب من أمثال محمد رشيد رضا وشكيب أرسلان وبديع البستاني وحافظ وهبة وتقي الدين الهلال وغيرهم للقيام بمهام الإرشاد والتدريب.
كما ساهم في تدريب بعض الشباب الكويتين للاعمال التجارية في الهند ( راجع مقالة العجيري راجع القبس 12 مايو 2006 ) ومن المساجد جاء ذكر تبرعه إلى مسجد لندن 1911 وتجديده بالكامل إلى ضريح ومسجد الصحابي الجليل الزبير بن العوام 1915.
نبذه عن تاريخ مسجد الزبير بن العوام وتعميره
(انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر) سوره التوبة – ايه ١٨
جاء اسم مدينة الزبير نسبة الي الصحابي الجليل الزبير بن العوام (ض) المتوفي عام ٣٦هجري /٦٥٦ م الي دفن فيها. والتي تقع على مشارف البصرة. فقد اتفقت الروايات التاريخية ان عام ٩٥٣ هجري المصادف لعام ١٥٤٧ ميلادي هو تاريخ يركن اليه بدون شك في تأسيس اول مبني لمسجد يضم مرقد الزبير وتأسست المدينة حوله. وفي عام ٩٧٩هجري (١٥٧١ ميلادي) اقام السلطان العثماني سليم الثاني ابن سليمان القانوني قبة تضم الضريح. ويذكر ان شاهد عيان وهو عبد الله بن إبراهيم القملاس انه رآى لوح خشبي فوق باب المرقد كتب عليها تاريخ ٩٠٠ هجري وربما كان ذلك تاريخ تجديده الأول علي نفقه ام السلطان عبد العزيز. تعرضت البصرة ويلات ونوائب كثيرة نالت الزبير منها نصيبا كبيرا، يطول الشرح في جمع ذيوله حتى غدى قول “خراب البصرة” مثلا يضرب به لوصف المصائب المتتالية.
يأخذنا الزمن ويسرقنا الوقت في مسيرته السرمدية متخطيا كل عثراته حتى يستقر مؤشره علي احداث عام ١٣٣٤ و تحديدا في شهر شعبان منه حينما سعى رجل الدين الشيخ محمود بن احمد المجموعي امام و خطيب مسجد الزبير بن العوام لإثاره اهل الخير في البلدة للتبرع لترميم قبه المسجد التي أصابها الضرر من تقادم الزمن و تقلبات الانواء و منها الامطار الغزيرة التي هطلت تلك السنه فجمع مبلغ لم يكن كاف للقيام بذلك العمل الكبير. فبلغ الخبر الي الشيخ عذبي بن محمد الصباح لمقيم آنذاك في الزبير مع اخوانه وعوائلهم منذ اغتيال ابيه حاكم الكويت آنذاك عام ١٣١٣ هجري (١٨٩٦ ميلادي). وهو من ارحام ال إبراهيم من جهة جدته شيخة بنت علي ال إبراهيم فاتصل بابن خؤولته الشيخ جاسم بن محمد ال إبراهيم التاجر المشهور والمحسن الكبير المقيم في بومبي مناشدا همته وشارحا عدم استطاعت اهل الزبير لقيام بالمهمة المكلفة فجاءه المدد المطلوب من صاحب الاريحية والايادي الندية بشرط ان ترد ما تبرع اهل الزبير وترك امر الترميم المسجد وبناءه له فقط، مكان لذلك العمل صداه الكبير في الزبير و ما جاورها. وشارك بذلك ما بذله سلاطين بني عثمان قبله وقد أرخ تلك المكرمة قاضي الزبير الشيخ عبد الله بن إبراهيم القملاس في مدونته عن احداث عام ١٣٣٥ هجري وفيها يقول “في محرم بنى جاسم ال إبراهيم مدرسة في الدورة ورتب فيها مدرس في العلوم الشرعية” (من جملتهم حافظ وهبه راجع كتاب خمسون عاما في جزيرة العرب وموسوعة البصرة) و د. محمد تقي الهلالي (راجع كتاب الدعوة الي الله). وفي موقع اخر “ويحكى انه جاء من جاسم ال إبراهيم حوالة نحو ثلاثة لك روبية (الك مائه ألف) علي يد عذبي الصباح لعمار مسجد الزبير في ربيع ثاني وكان محمود مجموعي قد جمع من الناس فلوسا فذكر لهم جاسم ان عمار المسجد كله من ماله و ان يعمر بمال الناس المساجد عموما ففعلوا” (لاحظ صوره المخطوطة)
ويذكر صاحب التحفة النبهانية ص ٢٢٢: “ان الشيخ قاسم بن محمد ال إبراهيم قام ببناء المسجد وتصليح منارنة و تبيض قبه الزبير و ترميم الضريح و توسيع المسجد عن البناء السابق مع البناء المحكم، و امر بفرش المسجد بالكمبار و السجاد، فاصبح المسجد في غاية المتانة و الرونق و قد تم ذلك عام ١٣٣٥ هجري (١٩١٧ ميلادي).
وإن ننسى فلن ننسى مساهمة سيدات الأسرة في عمل الخير وعلى الكم الكبير الذي قمن به في مساهمات لا تحصى في أعمال البر والتقوى ، وعلى سبيل المثال ما كتبه جريدة القبلة المكية ونقلت عنها جريدة الأوقات العراقية في عددها الصادر بالبصرة يوم الخميس 22 أغسطس 1920 الذي جاء نصه كالأتي :-
” كما أن تلك الإريحية حملت السيدة المصون حرم الشيخ يوسف بن ابراهيم من أعيان الكويت ، تلك السيدة الشهيرة بخيراتها الحسنة وأعمالها المبرورة على تبرعها لصندوق عين زبيدة ألف روبية فكان تبرعها هذا عملا مشكورا يخلد في صحائفها إلى يوم الدين ” وعين زبيدة هي عين ماء عذب يجرى تحت الأرض واقعة في شمال مكة بين وادي النعمان ومكة وتلتقى مع عين الزعفران حيث ينحدران سوية لسقاية أهل مكة . وهناك مساهمات منهن أنذاك إلى المسجد النبوي في المدينة.
كل ما مر كان جزءا من لقاء الأشتات ومخرجات التاريخ إنسكبت كملاحظات خاطفة لأطروحة ربط غزيرة المادة تؤمن إمكان التعبير عن فترة غير عادية دعا الأمر الي التنقيب عنها وعرضها عسى أن تحمل الفائدة و لكي نسلط ضوء على مستجدات الأحداثيات التاريخية كونها استحقاقات إجتماعية وإقتصادية وثقافية توجب نشرها و تعميمها. فقد جاءت تلك نصوص تستلهم رؤى الإنسان و تظهر المكان وتحدد الزمان لتشرح تجربة شعورية لم تأتي من باب الصدفة بل توحي و تشير بمقاصد لمرحلة عبرت عن نضوج الثمرات العظيمة لطموح كبير وإنعتاق من العزلة بل التحاق بركب التحضر والسعي إلى الدفع للتجديد ومواكبة التحديث تدفعها إرادة صلبة ومثابرة عنيدة ساعية الخطوات في طريق الجد والمثابرة لبلوغ النجاح والخروج إلى عالم أوسع بتجربة يطالب توطيدها و هي نتيجة تستحق الإقتداء و منها ينقل المتابع من مرحلة التثاؤب والملل إلى اجواء الاستثارة والعمل.
ملف ( البيوتات التجارية الكويتية في الهند )
يمكنكم تحميله:
البيوتات التجارية الكويتية في الهند
تعليقات الزوار