استوقفني هذا الأسبوع كتابان صدرا من جهة واحدة بفارق زمني مدته خمسة وعشرين عاما، وكلاهما تناول موضوعا واحدا، الأول بعنوان: قصر السيف 1905-1976 أما الثاني فقد جاء تحت عنوان “قصر السيف العامر••• لمحة تاريخية ومعمارية”• وقد جاء في الكتاب الأول ص 3 تعريف بموقع قصر السيف وأهميته، وعرفت المؤلفة كلمة “السيف” بمعنى شاطئ البحر وقد بني قصر السيف في موقع يسمى الكويت قام ببنائه براك بن عريعر سنة 1713، وكان مقراً لحفظ السلاح وبيتا للمؤن ويستخدم أيضا كمقر للحرس، وفي سنة 1905 استولى الشيخ مبارك على النقعة “مرفأ السفن” التابعة ليوسف آل الإبراهيم وقام بردمها وأنشأ مكانها مربطا للخيل، واستعان في تحقيق ذلك بشخصين هما: السيد راشد بن رباح والسيد ناصر بن فرحان• أما الكتاب الثاني الصادر عام 2001 فقد وصف بناء قصر السيف فذكر: “ازدادت الكويت أهمية سياسية وشهرة وتوسعت تجارتها وازدهرت حين حكمها الشيخ مبارك الصباح عام 1896، وكان الشيخ مبارك يسكن في منزل في مركز المدينة القديمة، يطل على الساحل مباشرة، حيث تقع منازل الكثير من رجالات الكويت وتجارها ومنازل الشيوخ والحكام من آل الصباح. وكان أمام منزل الشيخ مبارك اسطبل للخيول وبجانبه الكثير من الغرف التي ربما كانت مخازن للحبوب والتمور والعلف، وفي عام 1324هـ الموافق (1906 / 1907م) قرر الشيخ مبارك بناء قصر جديد يليق به كحاكم لبلد مزدهر كالكويت، فلم يجد بقعة أفضل من هذا الاسطبل لكي يقيم عليه قصره هذا والذي عرف فيما بعد بقصر السيف”. لا بد هنا أن نؤكد ما جاء في المراجع المكتوبة لكي نقف على حقيقة ما تقدم، حيث يذكر المؤرخ سيف الشملان في كتابه “تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج” الطبعة الثانية بتاريخ 1986 ص231 تحت عنوان “النقع••• أحواض السفن”• وسرد قائمة بأسماء النقع الواقعة على ساحل مدينة الكويت والنقع عبارة عن حوض يبنى من الصخور المرجانية لحماية السفن من الأمواج وهذه النقع بناها تجار الكويت من أصحاب السفن لحماية سفنهم وسفن غيرهم فقدموا أجل الخدمات لمواطنيهم• وهذه النقع من قبلة الى شرق على التوالي: • نقعة أحمد عبدالمحسن الخرافي. • نقعة عبداللطيف سليمان العثمان. • نقعة عبدالعزيز العثمان. • نقعة آل عبدالجليل. • نقعة حمد عبدالله الصقر. • نقعة ناصر البدر. • نقعة فلاح الخرافي. • نقعة سيد ياسين الرفاعي. • نقعة سعود. • نقعة الغنيم. نقع الحي الشرقي • نقعة آل الإبراهيم نسبة إلى الشيخ يوسف بن عبدالله آل إبراهيم. • نقعة الشيوخ، نسبة إلى حكام الكويت من الشيوخ. • نقعة بن خميس. • نقعة شملان. • نقعة النصف. • نقعة ناصر النجدي. • نقعة هلال فجحان المطيري. • نقعة مشاري بن عبدالله الروضان. • نقعة أحمد المناعي. • نقعة جاسم محمد العماني. • نقعة علي أبو بنيان. • نقعة راشد بورسلي. • نقعة جاسم الغانم. • نقعة أحمد القضيبي. • نقعة السيد هاشم النقيب. • نقعة بن معتوق. يلاحظ مما تقدم أسماء كل النقع في الكويت والتي لا يزال بعضها باقيا حتى يومنا هذا وبمسمياتها، لكن الغريب هنا اختفاء نقعة آل إبراهيم والتي كانت أمام بيوتهم كما جرت العادة وموقعها في الوسط وعلى مرتفع (بهيتة) وهو المرتفع الذي بنى عليه كوت بن عريعر كما هو معروف تاريخيا وكما هو معلوم ومتداول بين العامة منذ أن سخر الإنسان الخيل لخدمته، أن يكون موقع الاسطبل أو (الطوالة) أو الجاخور حسب التسمية الدارجة محليا أن يكون دائما مكان الاسطبل في الأماكن الخلفية للبيوت نظرا للروائح المنبعثة من مخلفات تلك الحيوانات، وليس في مكان الصدارة• فواجهة البحر كانت تخصص للعماير والنقع• يقول “باركلي رونكير” “إذا كان الجو لطيفا يأخذ الشيخ مبارك الصباح مجلسا في الإيوان “الليوان” المقابل للبحر يشغل نفسه لمدة ساعة بالمراسلات تقرأ له المراسلات ثم يملي سكرتيره بالردود المطلوبة”• ولو أراد غير ذلك معدا كتاب “قصر السيف العامر” الصادر عام 2001 فنحن في هذا المجال ننتظر منهم الفتوى ونسأل لهم الأجر والثواب• والجدير بالذكر هنا شهادة شاهد عيان كان آنذاك يحل ضيفا ببيت آل إبراهيم ودرس مع أبنائهم إبان حوادث عام 1313 الموافق 1896 ومقتل حاكم الكويت السادس الشيخ محمد بن صباح وشقيقه الشيخ جراح بن صباح واستيلاء الشيخ مبارك الصباح على سدة الحكم• الشاهد هو مقبل بن عبدالرحمن الذكير من بلدة عنيزة بنجد، الذي قدم الى الكويت مع بعض رفاقه من أبناء التجار هناك، ومنهم المرحوم حمد بن عبدالله الخنيني وقد جاء في هذا المخطوط تحت سنة (1313) في ذي القعدة من هذه السنة قتل مبارك أخويه محمد وجراح لخلاف قديم بينهما وطمعا بالإمارة، وكنت حينئذ في الكويت أتعلم الكتابة في المدرسة، وكنت في ضيافة الشيخ يوسف بن عبدالله بن إبراهيم – لصحبة بينه وبين خالي مقبل – الخصم اللدود للشيخ مبارك الصباح• كنت أنا بمعيتهم في مخيم يسمى (مغرى) جاء الشيخ يوسف بعد مواجهته (لقائه) بالجماعة وقوض خيامه وركب من كاظمة الى الكويت وأنا بصحبتهم وقد استقبله الأمير محمد على الرصيف وسلم عليه في جمع حافل من وجهاء وأعيان الكويت فلما انتصف الليل ليلة عيد الأضحى، ما رأينا إلا الخدم يوقظون من في المجلس من ضيوف وكنت أنا وحمد بن عبدالله الحمد الخنيني من جملتهم، فطلبوا أن نساعدهم في نقل ما يريدون شحنه، وكانت السفينة التي يراد شحنها راسية في الحوض الذي مقابل البيت فساعدناهم حتى كمل الشحن فساروا بساعتهم ومعهم الحرم ومشاري بن إبراهيم وسافر معهم حمد الخنيني وبعض الضيوف، وبقيت أنا مع بعض الضيوف والخدم، ولم يعلم أحد بسفرهم إلا في اليوم الثاني حيث أقفلوا علينا الباب ثلاثة أيام وطعامنا وشرابنا عندنا. يتضح لنا مما تقدم أن نقعة آل إبراهيم أمام بيوتهم مباشرة وقرب مسجد آل إبراهيم (هو أقدم مسجد في الكويت) إن تلك النقعة هي التي اختفت بردمها، وهي كما جاء ذكرها في الكتاب الأول الصادر عام 1976، الذي أسلفنا ذكره في مقدمة هذا الموضوع، فأصبحت مربطا للخيل وليست اسطبلا، لأن المربط هو المكان الذي تربط به الخيل ولا توجد عليه مبان ولا يحطيه سياج وهو أرض فسيحة مكشوفة، والمربط يستعمل لمدة قصيرة بينما الاسطبل هو بناء ثابت وله سياج وبوابة واستخدامه دائما وموقعه دائما يكون في مؤخرة البيوت، وكان السبب لذلك هو دك الأرض المردومة لغرض البناء. لقد حصل كل ذلك الواضح لمن أعد كتاب السبعينيات والنكوص لمعدي كتاب 2001م ليس القصد من هذا العرض هو مراجعة ومناقشة تفاصيل نصوص الكتاب بحد ذاته، وإنما إبراز نصوص تخلوا من ذكر الحقيقة وتخالف الوقعة التاريخية. لقد مر على بناء قصر السيف ما يقارب القرن من الزمن فهل يمكن أن يقوم المؤرخون والباحثون بوضع دراسة موضوعية محايدة لمجريات الأحداث في ذلك الوقت؟ أم سيستمر سيل المعلومات المشوشة، وإخفاء حقائق تاريخنا وتشويهها ثم عرضها على أنها الحقيقة بعينها. ويقتضي التنويه هنا أن اختيارنا لعرض كتاب (قصر السيف العامر) هو للتذكير بما احتواه من معلومات رئيسية خطأ وناقصة ومشوشة، على الرغم من أهمية الجهة الصادر عنها وبالتحديد من اشتركوا بتحرير الكتاب الذي أظهر بوضو اهتزاز مصداقيتهم وجدية كتاباتهم وعدم حيادهم باعتبارهم مؤرخين وباحثين. ونحن والحمد لله لا نزال في الكويت نتمتع بهامش كبير من الحرية نحسه ونلمسه في المقالات الجريئة في صحفنا والمداخلات والنقاشات في مجالسنا، وهي واضحة في جلسات مجلس الأمة منها المنشور والمذاع والمرئي. فالمطلوب من ذوي الأقلام نهج سلوك الحيادية والاقتراب الى الحقيقة بقدر ما تتوافر الأدلة والبراهين لتلعب دورا مؤثرا في كشف الحقائق التي ربما يراد لها أن تخفى في مختلف مجالات الحياة. إن الدول المتحضرة كما – يعلم الجميع – ترفع عن الوثائق الرسمية المهمة والحساسة بعد مرور عشرين عاما على وقوعها بينما في أوطاننا من يحجب تفاصيل وقائع حدثت منذ أكثر من مائة عام. إن الهدف من توثيق الحقائق ووضعها في متناول أيدي المواطنين لاستخلاص التجربة منها من أجل مستقبل أفضل وإلا فما هو معنى ومغزى الحكمة العربية للفضيل بن عياض التي تجلل مدخل قصر السيف: “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”.
تعبئة النية نحو تاريخ مخالف
4912 اجمالي الزيارات 1 الزيارات اليوم
تعليقات الزوار